لم يستسلم الشاب الثلاثيني علي البروي، للظروف الصحيّة القاسية التي ألمّت به، منذ أن فقد ساقه اليمنى إثر إصابته بشظايا عبوة ناسفة، استهدفته خلال مشاركته مع الجيش الوطني في الحرب على مليشيا الحوثي عام 2017م.
البروي، وهو أحد معاقي الجيش الوطني من أبناء محافظة صنعاء بني مطر، أوقف دراسته للماجستير في جامعة صنعاء عام 2016، واستجاب لنداء الوطن ملتحقاً بجبهات القتال في صفوف الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
وفي عام 2017م، أصيب البروي في جبهة نهم في تبة القناصين ، اثناء تمشيط المنطقة بعد السيطرة عليها عندما انفجرت به مع ثلاثة من زملائه عبوة ناسفة تعرّض على اثرها لإصابة بليغه ،أدت الى بتر ساقه اليمنى.

ورغم الإعاقة التي ضل يعاني منها، إلا ان ذلك لم تثنيه عن تحقيق حلمه ، وبإرادته وعزيمته حوّلها إلى فرصة ودافعًا لمواصلة هدفه في استكمال مشواره الدراسي.
في يناير 2023، توّج مسيرته بالحصول على درجة الماجستير عن بحثه بعنوان (واقع استخدام معلمي التربية الإسلامية لاستراتيجيات التقويم بمحافظة مأرب)، من كلية التربية- جامعة أقليم سبأ، ليكون بذلك أوّل باحث من جرحى الجيش الوطني يحصل على درجة الماجستير بهذا التتويج.
لتسليط الضوء على هذه القصّة الملهمة تواصل موقع "الصحوة نت" مع الباحث علي البروي وأجرى معه الحوار التالي:
حلم وطموح
يقول البروي، عن شعوره بنيل شهادة الماجستير من جامعة إقليم سبأ، إنه" شعور لا يوصف ورائع جداً وكبير نتيجة جُهد وكفاح ونضال".
وأضاف أن "ما يجعل ذلك المشهد رائع جداً هو وصولك إلى هدفك الذي تسعى إليه، ويبعث فيك الأمل والإصرار والعزيمة لمواصلة المشوار، لتحقيق ما تبقى من أهداف تصبو إليها".
وعن كيفية تمكنه من تحقيق هذا الإنجاز رغم الإعاقة والتحديات، يقول "الهمة والطموح هي الوقود في كل لحظة أواجه فيها مشكلة أو عائق".
مضيفاً: "عندما يكون لديك هدف تسعى لتحقيقه، لا يمكن للعوائق والتحديات التي تواجهك أن تثنيك عن هدفك مهما أخطأت أو سقطت في منتصف الطريق أو تعاني من إعاقة حركية أو ما شابه فنحن في هذا العصر أصبحت الوسائل متوفرة وسهلة يمكن لأي شخص إذا ما عنده عزيمة ودافع وإرادة لتحقيق هدفه".
ويذكر البروي، أن البيئة التي يسكنها ويعيش فيها من حوله كالمجتمع والمدينة على المستوى القريب منه العائلة والزوجة أو الأصدقاء، كان لهم دور في الأخذ بيده وبث روح الهمة العالية لديه لتحقيق حلمه.
كما أن "النهضة العلمية في المجتمع الواعي يحفزك لطلب العلم".
ويضيف: "كنت أصر على نفسي وأجهدها على عدم الاستسلام أو اليأس، وأن ما أسعى إليه لا بد أن يتحقق مهما وقفت في طريقي التحديات والعوائق، فكنت أعمل في وظيفتي الحكومية من الصباح حتى الساعة الواحدة ظهراً ثم أذهب إلى الجامعة الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة الخامسة بعد العصر، ثم أعود إلى المنزل وأقوم بإنجاز مهامي وإنجاز البحوث والتكاليف التي كلفت بها خلال اليوم الواحد وأنجز كل يوم بيومه لا أُراكم العمل".
ويؤكد البروي، أن الإعاقة لا تؤثر أبداً في من لديه حلم أو هدف يسعى إلى تحقيقه يمكن التغلب عليها، فالإعاقة هي الإعاقة العقلية وليست البدنية".
ويوضح البروي، في حديثه لـ"لصحوة نت"، أن "الحلم هذا ليس وليد اللحظة، بل كان الدافع لمواصلة الدراسات العليا". موضحاً أنه سجل سابقاً في نفس التخصص في جامعة صنعاء ودرس شهر وأخذ المنهج لكن ما إن ناداه "الوطن والدين للذود عنه والدفاع عن هويتنا اليمنية وعقيدتنا، استجبنا لهذا النداء".

إصابة وليست إعاقة
وعن التحوّل الذي طرأ في مسيرته العلمية، يقول البروي: "لم نترك هدفنا لكننا قدمنا مصلحة الدين والوطن على مصالحنا الشخصية، واستمريت في العمل العسكري حتى أتى قضاء الله وقدره بالإصابة وليست إعاقة إنما هي إصابة"
ويضيف: بعدها سنحت لي الفرصة بعد الإصابة أن أكمل مسيرتي العلمية سجلت في جامعة إقليم سبأ في الدراسات العليا، واجتزت اختبارات القبول بنجاح وواصلت مرحلتي العلمية عام 2019م/ 2020م.
وعن التحدّيات التي واجهها، يقول إن من ضمنها الانقطاعات المتكررة للإنترنت عن محافظة مارب من قبل مليشيا الحوثي ولفترات طويلة، فلجأت إلى مكتبة الجامعة والاستعانة ببعض الزملاء في الخارج كانوا يرسلون لي بعض الكتب والبحوث، وكانت معينه لي في متابعة رسالة الماجستير.
ويضيف: أتت بعد ذلك جائحة كورونا فكانت الصدمة الثانية لي لكن لم أنهزم عن مواصلة المشوار، وكان الزملاء جميعاً كل واحد يشد على الآخر، ويقوي من عزيمته وإرادته، وواصلت المشوار، وأنجزت كثيرا من المهام والبحوث. مضيفاً: "رغم هذه الأحداث والعوائق والتحديات إلا إنني واصلت المشوار حتى تحقق هذا الحلم رغم شحة الإمكانيات المادية وقلة الوسائل التعليمية. ورغم أن القسم في بداية افتتاحه في جامعة إقليم سبأ إلا أن الكادر التعليمي كان مؤهلا ورائعا وذو كفاءة وخبرة ومهارة عالية.
ويؤكد: "لا تعيقني إصابتي عن مواصلة طموحي وأهدافي، قد تكون هناك عوائق وتحديات، لكن تغلبت عليها بقوة وإرادة، وعزيمة".
الإنجاز
وعن صدى الإنجاز الذي حققه وسط المجتمع ولدى زملائه من أبطال الجيش وخصوصاً الجرحى منهم، يقول البروي: "فوجئت أن الخبر انتشر في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وعرف العديد من زملائي الجرحى من الجيش وغيرهم من ابطال الجيش وزملائي في الجامعة، وكان له أثر كبير وإيجابي بعث في العديد من الجرحى الهمة والإرادة والعزيمة في طلب العلم".
ويضيف: تلقيت العديد من التهاني والتبريكات من العديد من الأصدقاء، وخاصة الجرحى، وكان يقول البعض منهم أوقدت فينا شعلة من الأمل لنواصل رحلتنا العلمية. مضيفاً: أعرف الكثير منهم كانوا محبطين ومتكاسلين فحاولت أن أخرجهم من هذه الحالة وقدمت لهم النصح وشجعتهم على مواصلة التعليم.
ويسعى البروي، بعد رسالة الماجستير إلى "مواصلة دراسة الدكتوراه". ويقول: أثناء دراستي للماجستير حاولت أن أكسب مهارات أخرى في مجال اللغة الإنجليزية. كما حصلت على الدبلوم في الجرافيكس في نفس العام. والآن أسعى لتعلم الموشن جرافيك، والمونتاج حتى تخرج شهادتي للماجستير فانطلق في دراسة الدكتوراه.

رسالة
الباحث البروي، وجه رسالة إلى وسائل الإعلام لتبني مثل هذه المواضيع خصوصاً مع ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكداً أن لها أثر إيجابي كبير في أوساط هذه الشريحة، يبعث في نفوسهم العزيمة ويفتح أمامهم الأمل والطموح.
ودعا الحكومة إلى المزيد من الاهتمام بجرحى الجيش لكي يواصلوا مسيرتهم في الحياة، فالجريح "يحتاج إلى رعاية صحية كامله وتدريب واهتمام بالغ في شتى المجالات، وهذا أقل واجب يقدم لهم لقاء ما قدموه في سبيل الوطن.
ووجه البروي، رسالة إلى زملائه من أبطال الجيش والمقاومة، قال فيها: "أنتم أمل هذه الأمة وهذا الشعب وأنتم من سيخرجه من محنته بإرادتكم وثباتكم وإصراركم وعزيمتكم وجهادكم ونضالكم وتضحياتكم في سبيل هذا الوطن والدين.
وخاطبهم قائلاً: يا رفاق الدرب والسلاح، شكراً لصمودكم وثباتكم وعزيمتكم وجهادكم لهذه الميليشيا الباغية، فنحن إلى جانبكم ومعكم حتى يأذن الله تعالى بالنصر أو الشهادة".
وفي ختام حديثه، أهدي البروي، نجاحه إلى أمه، قائلا: "قرة عيني، نبع العطف والحنان أمي الغالية، وإلى صاحب الجود والكرم أبي الغالي، وإلى رفيقة دربي وسندي زوجتي الغالية، وإلى ابنتي وابني سلسبيل وعز الدين، وإخواني وجميع الأهل والأصدقاء".
