في إطار سعيها المتواصل للتضييق على الفقراء والمحتاجين، أصدرت ميليشيا الحوثي قرارًا- تحت غطاء ما يسمى "هيئة الزكاة"- يمنع التجار والمؤسسات الخيرية من تقديم أي صدقة للفقراء إلا عن طريقها، وهو ما هدد مئات المؤسسات الخيرية بالتوقف عن العمل وحرمان الأسر المحتاجة مما كانت تحصل عليه من مساعدات إنسانية عاجلة.
حرمان من المساعدات
وقال فقراء ونازحون إن المليشيات تواصل حرمانهم من الحصول على مساعدات مالية ومواد غذائية كانت تخصص لهم في السابق من قبل هيئات وجمعيات ورجال أعمال وفاعلي خير.
وقالت إيمان عامر (اسم مستعار) وهي رئيسة إحدى المؤسسات الخيرية بصنعاء، إن القرار تسبب في إحجام التجار والداعمين عن تقديم التمويل المتعارف عليه كل عام للمؤسسة خوفاً من العقوبات الحوثية، وبالتالي تعليق صرف الحالات المسجلة لدى المؤسسة والمتنوعة ما بين "إفطار الصائم- كسوة العيد- السلال الغذائية- مرضى السرطان- العمليات الجراحية العاجلة" بإجمالي 358 حالة.
وأضافت أن قيادات المليشيا في ماتسمى "هيئة الزكاة" تتواصل بنا بين الحين والأخر لحضور فعالية أو ندوة أو ما شابه وتطلب منا دفع مبالغ مالية ما بين 10-20 الف ريال كرسوم، وجميع المؤسسات مثلنا، أي أنهم يطلبون منا نحن الدعم بدل تقديمه لنا"
وتتابع "طيلة 15 سنة ونحن نقدم للمجتمع بقدر ما نستطيع بفضل فاعلين الخير من التجار وغيرهم، والآن يريد الحوثيون إيقافها والصرف على طريقهم، وهذا من المستحيل، فمثلا لو لدينا حالة مستعجلة هل أطلب من اصحابها الذهاب إلى هيئة الزكاة؟ ستموت الحالة في الطريق".
حرب على الفقراء
ومن جانبها، تقول "لميا سعيد" رئيسة مؤسسة أخرى، إن هيئة الزكاة أرسلت تهديداً بإغلاق المؤسسة في حال تم صرف أي سلة غذائية في رمضان لأي محتاج، معتبرة هذا "إعلان حرب صريح على الفقراء، للأسف ليس هناك حل امامنا إلا الإغلاق".
وتمثل "الهيئة العامة للزكاة" أحد أبرز أدوات مليشيا الحوثي ضد التجار وأصحاب المؤسسات والمحلات إلى جانب الضرائب والجمارك، حيث رفضوا الإقرارات الزكوية السابقة المقدمة من التجار، وطالبوهم بتقديم إقرارات جديدة من خلال مشرفي المليشيا أنفسهم وتقدير الزكاة بناء على ذلك على مدار العام.
ويقول تاجر مواد البناء إن "مجموع رأس ماله كله 180 مليون ريال، وهيئة الزكاة تطالبني بدفع 62 مليون ريال زكاة، اي ما يقارب النصف"!
ويُقدر ما تحصده مليشيا الحوثي من خلال هيئة الزكاة سنوياً بـ150 مليار ريال حسب مصادر من داخل الهيئة، منها 45 مليار تجنيها في رمضان فقط من كل فرد.
وبحسب تقرير فريق الخبراء المعني باليمن والصادر في 30 ديسمبر 2022، فان معظم تلك الأموال تذهب لتمويل انشطة الحوثيين الحربية، إلى جانب موارد الاتصالات والضرائب والخمس وتجارة المخدرات، كما ذكر التقرير.
منع الصدقات
في 8 رمضان الجاري تعرض أحد التجار للاعتقال بعد أن قام بتوزيع مبلغ مالي 5 آلاف ريال كصدقات على كل شخص من أبناء حي الرحبة الذي يسكن فيه.
ورغم تأكيده عدة مرات أن هذه المبالغ التي يوزعها ليست من الزكاة وإنها مجرد صدقة على روح والده، إلا أن عناصر من مليشيا الحوثي حضروا بسرعة مستغربة، حسب تعبيره، وأقدموا على اعتقاله بزعم أن توزيع الصدقات من اختصاص هيئة الزكاة وحدها.
واستمر اعتقال التاجر 24 ساعة قبل ان يفرج عنه مقابل التعهد بعدم التصدق على أي شخص، ودفع غرامة 2 مليون ريال.
قرار غير شرعي
وعن رأي الشرع في الصدقات، يقول القاضي محمد مهدي الريمي، عضو المحكمة الدستورية السابق، إنه "ليس من اختصاص الدولة احتكار الصدقة ولا يجوز شرعاً أن تمنع التجار من الإنفاق على الحالات الإنسانية سواء بالسلل الغذائية أو المساعدات العلاجية أو المالية".
ويستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه" فإذا كان من المستحب إخفاء الصدقات حتى عن اليد الأخرى فما بالك بإخفائها عن هيئة الزكاة؟، معتبرًا قرار هيئة الزكاة الحوثية "غير شرعي ولا قانوني".
ويستغرب السكان حالة الثراء الفاحش الذي طرأ على موظفي مليشيا الحوثي في "هيئة الزكاة"، متحدثين عن قيام المدراء برمي الشوالات المليئة بالأموال على الأرض في حوش الهيئة وتوزيعها على الموظفين على طريقة "الغنائم" لا باعتبارها زكاة محصلة ومقننة ولها مصارفها الشرعية والمحددة في القرآن والسنة النبوية وقوانين الدولة.