تحولت عملية التشييع والجنازة المهيبة للشاب الناشط "حمدي عبدالرزاق الخولاني" (المكحل)إلى تظاهرة سياسية حملت في طياتها العديد من الدلائل والرسالات المختلفة تجاه القبضة الحوثية وآلتها القمعية المفروضة على المواطنين في مناطق سيطرتها المسلحة.
حيث شهدت مدينة إب الجمعة، جنازة غير مسبوقة لتشييع الناشط المكحل، بالرغم من القيود الحوثية المفروضة والتهديدات التي أطلقتها المليشيات بهدف تخويف الأهالي ومنعهم من المشاركة في الجنازة، إلا أن الأمر كان مختلفا وشارك الآلاف من أبناء إب في التشييع ورددوا هتافات مدوية تطالب برحيل المليشيا من المحافظة.
وعقب الجنازة المهيبة التي فجرت غضب شعبي ضد مليشيا الحوثي وارتفعت خلالها الأصوات الشبابية والشعبية المطالبة برحيل المليشيا من المحافظة، انتشرت مقاطع الفيديو التي صورت ووثقت غضب الناس من المليشيا، انتشار النار في الهشيم بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي وعكست صورة حقيقة لرفض الشعب للمليشيا وأنها أضعف مما يتخيله البعض، إذ أن شخصية المكحل ببساطتها وعفويتها قادت الغضب المتراكم في صدور الناس وأخرجت جزء بسيط منه إلى العلن، في مشهد فضح المليشيا وأبان عجزها وخوفها من غضب الشعب المحتقن والذي سينفجر يوما بوجهها ويطمرها إلى الأبد.
مدينة الثائرين
الناشط أحمد هزاع، كتب بالقول: "إب بصوت واحد.. لا اله الا الله والحوثي عدو الله..، خرجت إب كما يجب أن تخرج، وحين تثور لا تحتاج إلى من يكون وصيا عليها أو يدعوها لذلك، هي هكذا عرفناها من أول يوم انقلاب تأبى الظلم وترفض الضيم وإن قالت تُسمع كلامها بكل وضوح وإن ضربت تُوجع".
وأضاف هزاع : "في جنازة "المكحل" كانت إب حاضرة تقول للحوثي وللمتقولين إنها مدينة الثائرين وقبلة المظلومين وقاهرة الجبابرة والمتسلطين، وإن خفت صوتها يوما أو انحنت للعاصفة فليس جبنا أو خنوعا وإنما لترتيب ضربتها القادمة".
وأكد هزاع وهو أحد الذين تعرضوا للتعذيب في سجون المليشيا، أكد أن إب "لم تكن يوما حاضنة لمليشيا طائفية أو إمامة غاشمة ولذا تُمعن المليشيا في إرهابها للسكان حتى لا يأتي يوم تنتفض فيها إب بكاملها لأنها لو قامت فلن تهدأ حتى تأتي على كل شيء".
وختم بالقول : "حتى وهي تتألم وفي يوم حزنها ترسل إب رسائلها للمحتل المجرم تقوله له: لا تغتر فيومك قد دنا".
نار تحت الرماد
الناشط إبراهيم عسقين قال معلقا على الجنازة المهيبة، "لله دركم يا شرفاء إب وأحرارها.. فقد اوصلتم الرسالة التي مفادها "أرى تحت الرماد وميض جمرٍ، أثبتم أن محافظة إب يمكن أن تمرض لكنها أبداً لن تموت.."
الناشط طارق الأثوري علق بالقول : كان دخان سيجارة المكحل مثل بخور تعويذة ابطلت محاولة سحرة إعلام الحوثي تصويره كإرهابي داعشـي. مشيرا إلى أن "بساطته.. تلقائيته.. لهجته العامية.. بعض الألفاظ الخارجة التي كان يستخدمها.. جعلت من المستحيل إظهاره كإرهابي وتلفيق قصص الخلايا والعصابات له".
ووصف الأثوري المكحل بأنه "إنسان ومواطن إبي بسيط يعكس نبض الشارع تماما دون تقعر النخب وكلامهم الأجوف.. كلام من القلب إلى القلب بتردد موجي لم تستطيع أجهزة الحوثي أن تشوش عليه فاضطرت لإيقاف بثه نهائيا لكن الرسالة كانت قد وصلت إلى المستمعين".
سيد الشهداء
الكاتب أحمد عثمان، كتب قائلا "تحول حمدي عبد الرزاق المعروف بالمكحل إلى بطل شعبي وملهم لأبناء الشعب..(سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله) وسريعا أطلقت محافظة إب على المكحل لقب سيد الشهداء".
وأضاف في مقال له، "في الوقت الذي حاول الحوثي بقتله تغييبه واسكات صوته، التفت ليجد شعبا كاملا يردد اسم حمدي عبد الرزاق المكحل كملهم وبطل شعبي هذه هي التضحيات وفعلها السحري واقرؤا التاريخ".
وأردف : "قضي الأمر وانتصر المكحل (الشعب) بقراره الخالد في أن يجر الطاغية إلى حلبة التضحية والمحاكمة العلنية ولامجال للطاغية سوى الانهزام والعد التنازلي من تاريخ قتله لشاب بسيط تحول إلى ملهم لشعب يهتف باسمه.
وأكد أحمد عثمان، أن مليشيا الحوثي أرادت "تغييب الشاب حمدي بهدف ترويع الناس لكنه حضر بينهم ليسري كما يسري فجر الصباح في كل ربوع اليمن وليردد اسمه في كل قرية ومدينة كملهم وبطل".
وعن تبعات الإرهاب الذي أراد الحوثي ايصاله لأبناء المحافظة، وصف عثمان ما جرى بالقول : "لم تخاف إب ولم تسكت بل خرجت وتحت النيران لتودع الشاب المكحل وتقول لن نسكت نحن بعد اليوم وكلنا حمدي عبدالرزاق المكحل واذا أردتم اسكاتنا فتعالوا اقتلوا الشعب ان استطعتم لتهتز إب هادرة في جنازة حمدي، لا حوثي بعد اليوم الشهيد حبيب الله والحوثي عدو الله ، كان هناك مكحل واحد واليوم ها هو شعب إب كله يردد كلماته؛ يحتفي باسمه بعد أن واجه بشموخ ودفع دمه مختارا ثمن لحريته وحرية شعبه".
أيقونة نضال
الشاب محمد طاهر عبدالمغني علق قائلا: فاز بها المكحل ورب الكعبة.. يسقط شهيدا مجيدا بطلاً مدافعا عن الحرية والكرامة، قال كلمة حق لدى قوات الاحتلال الحوثيرانية، اختطفوه وعذبوه وغيبوه، ولم يكتفوا، فنالته أياديهم القذرة ملطخة بدماء الأبطال حتى في محبسه ومعتقله، شاب بسيط من إب سيتحول لبطل ورمز وايقونة نضال".
الوزير السابق عبدالسلام رزاز كتب قائلا: "المكحل بطل الحرية والكرامة، رحمة الله عليه واسكنه الفردوس الاعلى، ضحى بحياته من اجل رفع قيمة الحرية في وعي الناس وكسر حاجز الخوف امام سلطة الاستبداد الانقلاببة، شاهدنا أثرها في الشعارات الشجاعة التي صدح بها المشيعون في مسيرة التشييع لجثمانه الطاهر في محافظة إب".
ألف مكحل
الصحفي عامر الدميني، أحد أبناء إب، علق على تصفية الناشط المكحل بالقول "إن قتلوا المكحل فهناك ألف مكحل، وألف مشقر، وألف بطل سيأتون". في الوقت الذي ربط بين بطولة المكحل وبشير شحرة، والذي كانت المليشيا قد قامت بقتله وإعدامه في 2016 بعد رفضه ممارسات وانتهاكات المليشيا في المدينة القديمة لإب، مؤكدا أنهما مثلا قصة نضال جبارة في وجه الحوثيين.
وقال عامر: "من بشير شحرة، إلى المكحل، قصة نضال جبّارة في وجه آلة الموت داخل مدينة إب"، مشيرا إلى أن قصتي بشير شحرة، والمكحل، "تُذكر بالبطولات، وبالرفض الرافض لما يجري".
مشيرا إلى أن شحرة والمكحل، "شخصيات ترسم المجد، وتضع البذور الأولى، واللبنات الأساسية، لطوفان يتشكل وسيلتهم في طريقه كل العابثين والقتلة وأعوانهم"، مضيفا بالقول: "سلام عليك يا حمدي حيًا وميتًا، سلام لأم أنجبتك، وأرض أرضعتك، ومبادئ اعتنقتك، وصمود سكن روحك، سلام لك في دار الخالدين، خلود في الدنيا، وخلود في الجنان".
ووصف الشاعر "عامر السعيدي" الناشط المكحل، بالبطل القومي، ومسعر الحرب. حيث كتب: "بعد صلاة الفجر ذهبت لسماع عشرات الفيديوهات للمكحل". متسائلاً بالقول "إن لم يكن بطلا قوميًا فما هي البطولة؟" مضيفا، "يا له من مسعر حرب لو كان حوله رجال"، معبرا عن حزنه على رحيل المكحل بالقول، "حزين من الفجر، كأنه من قلبي رغم أني لم أسمع له إلا اليوم، في الخالدين، مع النبيين والشهداء أيها البطل الشجاع الحر الصادح بكلمة الحق، في زمن الركوع والخضوع والاستعباد السلالي".
كلمات ملهمة
الصحفي مازن عقلان، علق على المكحل وجنازته بالقول: بمرور الوقت تتضح معالم الطريق أكثر، هؤلاء الرموز الذين يظهرون من وسط الشعب، يتحدثون بلغة عفوية صادقة، ويترجمون القهر والغبن من طغيان السلالة إلى كلمات نارية ملمهة، هم من سيصنعون الخلاص لشعبنا ووطننا".
وأرجع عقلان السبب في تخليص الشعب من المليشيا بأمثال هؤلاء بكونهم "ينطلقون من دوافع تحررية حقيقية تبحث عن الخلاص وتنشد الكرامة والحرية ، بخلاف النخبة السياسية (..) التي تعيش في منفى الخارج..".
الإعلامي عبدالسلام الشريحي كتب معلقا على جريمة قتل المكحل في صفحته بموقع فيسبوك: "موجوع جداً لرحيلك أيها العملاق، أنت بطل قومي حقيقي بالنسبة لي، رجل جاء من المجهول دون حزب أو عشيرة تدعمه لردع الظلمة، يسوق دراجة نارية ليعيل أسرته، فقير أو معدم بكل تأكيد، لا ينتظر جاهاً ولا منصباً".
وأضاف الشريحي بأن المليشيا حبست "المكحل" لينصاع فرفض، وتم تجويع أطفاله بسبب انقطاعه عن العمل فابتسم، وأنهم عذبوه ليعترف من يقف خلفه مؤكدا أن الوجع الذي يعيشه الشعب هو من يدفعه ليحاولوا معه بكل ما لديهم من ترغيب وترهيب، فصمد بوجههم بكل ما لديه من صبر يمني وعنفوان صادق وجلد رجل لم تلطخه المصالح".
وتابع الشريحي واصفا ما تعرض له المكحل، بأن رده جراء التعذيب والعنف ومحاولات اسكاته، كانت بلسان الحال قائلة: إن الخيارات محدودة جداً لإسكاته، والموت وحده يقدر على ذلك، فقتلوه.. "قتلوه تعذيباً ورمياً من مبنى إدارة أمن إب، بعد أن أخرجوه من زنزانته المحصنة".
إحياء روح المقاومة
الصحفي أحمد اليفرسي كتب قائلا: المُكَحل (حمدي عبدالرزاق) أبرأ ذمته عند الله بقول كلمة حق لم يجرؤ على قولها أكبر كبير في إب ولم يجرؤ على مثلها أكثر المشايخ والسياسيين والأكاديميين شجاعة وحضورًا وأتباعًا وجماهيرية.
وتطرق اليفرسي إلى موقف المكحل وقول كلمة الحق أمام آلة القمع والتنكيل، حيث قال: "الموقف هو الذي يميز الأعلام، مخطئ من يظن أن العز بن عبدالسلام اكتسب شهرته من واقع علمه وكثرة محفوظاته، وكذلك مشاهير العلماء الذين سطر التاريخ ذكر مواقفهم، يقينًا جازمًا لم يكونوا أكثر علمًا وقد كان هناك من هم أكثر منهم علماً وحفظًا وذكاء، لكن هؤلاء ميزهم الموقف وقت الحاجة... مثل هؤلاء يتجاوز بمنزلته منزلة شيخ القبيلة والسياسي والأكاديمي والمثقف والعالم والداعية، والعابد الذي يرفع شعار حدّي حد نفسي ما لي دخل أصلي فرضي وأصوم واعبد الله مالي دخل بأحد..".
وأضاف : "هؤلاء أمثال المكحل كثيرون ممن دفعوا حياتهم ثمنًا لمواقفهم وقولهم الحقيقة والحق بوجه الجبابرة والظلمة والمجرمين رغم قلة ثقافتهم وعلمهم إلا أنهم كبار حقًا، يصنعون فارقًا في المجتمع، يحيون فيه روح المقاومة والحياة، يضخون في شريانه دمًا حقيقيًا طاهرًا لم تفسده الإيديولوجيا ولا السياسة ولا الرطانة بالمصطلحات الثقافية المعلبة.
ووصف المكحل وأمثاله بالقول: "هؤلاء أنقياء صناعة ربانية يقذف بهم القدر كل حين لتحيا بهم الأرواح والنفوس بالأمل والعزيمة إن أنهكها اليأس والإحباط.. شكرًا أيها المكحل العظيم.".