صنعاء.. أراضي المواطنين وممتلكاتهم في مهب النهب الحوثي

صنعاء.. أراضي المواطنين وممتلكاتهم في مهب النهب الحوثي

"تخيّل طوال عمرك تشقى وتشتري قطعة أرض، وتبني عليها منزلك، وتسكّن أهلك، وفجأة تداهمك مليشيا مسلحة وتحاول نهب منزلك وإخراج أسرتك منه"، هكذا تحدث "صالح" وهو يكتم دموعه عن قصّته مع ميلشيات الحوثي الإرهابية التي تحاول نهب أرضيته في أمانة العاصمة صنعاء. 

صالح (42 عاماً)، من أبناء محافظة إب، كان قد اشترى قطعة أرض في منطقة عصر غرب أمانة العاصمة، وبنى عليها منزله بعد سنوات من العمل والجهد الشاق، قبل أن تصل إليه مليشيا الحوثي وتحاول مصادرة منزله ضمن حملتها الواسعة لنهب أراضي المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

يقول صالح، في حديث خاص مع "الصحوة نت"، "تأتي كل يوم أطقم تابعة لوزارة الداخلية عليها مسلّحين من جماعة الحوثي ويطالبونا بإخلاء المنزل، بزعم أن الأراضي حق للدولة ويجب أن يأخذوها واتخلى عن حقي".

ومنذ بداية الهدنة في أبريل/ نيسان 2022، صعّدت المليشيا الحوثية عمليات السطو على أراضي المواطنين في محيط صنعاء وفي محافظات الحديدة وعمران وإب وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرتها، مستخدمة أجهزة الأمن والشرطة ومؤسسات الدولة الأخرى بما فيها القضاء والأوقاف.

 

نموذج لعمليات النهب

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة أصدرتها مليشيا الحوثي عن "هيئة الأوقاف" توجه بإدراج منطقة عصر غرب أمانة العاصمة، بالكامل كوقف كبير لأسرة آل حميد الدين، وتطالب كل من مالكي العقارات في عصر بـ"قطع مأذونية، ودفع مبلغ بما يعادل من 20٪ إلى 25٪ من قيمة الأرض بسعر اليوم، وإبرام عقود إيجار بحيث يكون الطرف الأول المالك هيئة الأوقاف والآخر ومالك العقار هو المستأجر"، وفق الوثيقة.

و"هيئة الأوقاف" هي مؤسسة استحدثتها مليشيا الحوثي للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من أملاك الموطنين وفرض جبايات عليهم، والاستثمار بأملاك الدولة للحصول على الأموال واثراء قيادات ميلشيات الحوثي.

وتطالب مليشيا الحوثي، ملّاك الأراضي في منطقة عصر بـ"دفع مبلغ 3000 ريال (الدولار 540 بمناطق الحوثي) إيجار شهري لكل لبنة، على أن يتم "تجديد العقود كل ثلاث سنوات ورفع قيمة الإيجار بحسب ما تراه هيئة الأوقاف".

وجاء في الوثيقة: "في حال مخالفة هذا وعدم تنفيذه تقوم الهيئة بدفع قيمة البناء بحسب تثمين المهندسين الذين سيتم إنزالهم وإخراجك منه وتأجيره لغيرك".

وتعد هذه إحدى أساليب المليشيا الحوثية لنهب أملاك المواطنين، إضافة إلى وسائل أخرى بما فيها الاجتياح المسلّح كما حدث مع أهالي مناطق همدان شمال صنعاء، وأهالي بني حشيش وصرف وبني الحارث شرق صنعاء، وكذا أبناء الحديدة، خلال الأشهر الماضية.

 

تغيير ديموغرافي

وأعتبر الصحفي والباحث عبد الباسط الشاجع، ممارسات مليشيا الحوثي في صنعاء بأنها عمليات "نهب ممنهج لأراضي الأوقاف والمواطنين، أقل ما يوصف بأنها عملية احتلال غاشمة تستأصل اليمنيين".

وأضاف في تصريح خاص لـ"الصحوة نت": منذ سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء سعت إلى تجريف أراضي الدولة والمواطنين، مستغلة امتداد فترة الحرب وتأخر الحسم، في إحداث تغيير ديموغرافي لضمان بقاءها وسيطرتها، ورافق هذه العملية نشر فكرها القائم على الولاية والاصطفاء الإلهي، وأيضًا إنشاء اقتصاد طفيلي تحتكره طبقة السلالة الهاشمية.

وقال الشاجع الذي نشر دارسة حديثه له بعنوان "صنعاء المستباحة"، أن "نسبة التحكم ومصادرة أرضي الأوقاف في صنعاء وصل إلى 80% منذُ 8 سنوات"، وأكد "أن ميلشيات الحوثي عمدت إلى التجريف والسيطرة عن طريق النهب بقوة السلاح وأدوات الترهيب لتضمن بقاء مشروعها السلالي وفق هذه المسارات الثلاثة".

وأشار: "أن الأراضي والعقارات، من أهم الأدوات التي تثير الخلافات بين صفوف مليشيا الحوثي، فكل طرف يسعى لتوسيع نفوذه وتحقيق مكاسب الثراء الفاحش الغير مشروع"، وأوضح "أن اللجنة العسكرية التي شكلت بتوجيه من زعيم المليشيا الحوثية، وما تسمى بالهيئة العدلية التي يديرها محمد الحوثي، وهيئة الأوقاف التي يرأسها عبد المجيد الحوثي، تتسابق على نهب الأراضي".

وقال الشاجع "إن الميلشيات تسعى تجريد اليمنيين من أراضيهم ومنازلهم، وتوطّن أفرادها المنتمين للسلالة، وخاصة المناطق الأكثر أهمية استراتيجية من أجل التحكم العسكري والأمني على العاصمة".

ودعا الحكومة والجهات المعنية أن تدرج التغيير الديمغرافي الحاصل ضمن المخاطر التي تواجه اليمنيين، مما يستوجب تفعيل كل المؤسسات في مواجهته بكل الطرق والوسائل، لافتا إلى ضرورة "إجراء البحوث التقييمية للتغيير الديمغرافي الطائفي في صنعاء والذي يصب في مصلحة إيران ومشروعها التدميري الذي يستهدف العرب وهويتهم".

 

إيرادات ضخمة وجرائم لا تسقط بالتقادم

وكان فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن الدولي قد أكّد في تقريره للعام 2022، أن الحوثيين صادروا قسراً مساحة شاسعة من الأراضي والمباني وفرضوا قيوداً على بيع العقارات وشرائها ونقلها وبنائها". مؤكداً أن العقارات تدر "إيرادات كبيرة للحوثيين".

وأوضح أن الحوثيين صادروا حوالي 3000 معاد من الأراضي بقيمة 15 مليار ريال يمني في منطقة القصرة بمديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة. كما استولوا على مساحات شاسعة من الأراضي تقدر قيمتها بـ80 مليار ريال بمديرية التحيتا. مضيفاً أنهم استولوا على أراضي ومباني في مناطق أخرى، ما أدى إلى طرد مئات الأسر المدنية وفقدان سبل عيشها.

وفي هذا السياق  مدير مكتب حقوق الانسان بأمانة العاصمة صنعاء فهمي الزبيري يؤكد "تزايد عمليات النهب والسلب التي تقوم بها مليشيا الحوثي بحق أراضي المواطنين وممتلكاتهم لاسيما بعد توقف إطلاق النار مع إعلان الهدنة الأممية في أبريل 2022، وبعد نهبها أراضي وعقارات الدولة وتسخيرها لتمويل حربها ضد اليمنيين وترسيخ سلطتها الكهنوتية.

وقال في حديث خاص لـ"الصحوة نت"، "أن مليشيا الحوثي تسعى من خلال عمليات النهب الواسعة للأراضي والعقارات والتضييق على المواطنين لتهجيرهم قسريًا لإحداث تغيير ديمغرافي وتمليك عناصرها السلالية الطائفية وإحلالهم بديلاً عن السكّان الأصليين؟

وأوضح، "أن مليشيا الحوثي احتكرت عمليات بيع وشراء الأراضي في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها؛ ضمن مخططاتها الماكرة والخبيثة للاستحواذ والتحكم في قطاع الأراضي والعقارات والسطو على ممتلكات الناس بطريقة غير مشروعة".

وأشار المسؤول المحلي "أن عمليات نهب أراضي المواطنين وأراضي الدولة والأوقاف هو انتهاك صارخ للدستور اليمني والقوانين النافذة والمواثيق الدولية".

وعن دور وزارة حقوق الإنسان، قال الزبيري، "أنها تقوم برصد وتوثيق هذه الانتهاكات واستقبال البلاغات من الضحايا والمتضررين لأجل الانتصاف وتعويض المتضررين وإعادة حقوقهم وملاحقة المتورطين، ومقاضاتهم في المحاكم داخلياً وخارجياً.. مؤكداً أن "هذه الانتهاكات لن تسقط بالتقادم".

وأضاف: "أن هذه الانتهاكات تندرج في انتهاك الحق في التملك بحسب القانون الدولي لحقوق الانسان، وتعد من جرائم الحرب وفقا للقانون الدولي الانساني كون اليمن تعيش حالة حرب ذات طابع غير دولي وينطبق عليها اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المدنيين وأملاكهم وتجنب التعرض لها.

وقال إن "الدستور اليمني والقوانين المحلية النافذة تجرّم الاعتداء على أملاك الغير وتعدها من الجرائم الجسيمة التي يعاقب الجناة على ارتكابها".

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى