لا يُذكر النشيد الإسلامي إلا وذكر معه المنشد السوري الكبير أبو مازن. فهو مهندسه البارع ورائده المبدع الذي خرج به من ضيق الأطر التقليدية المنغلقة على الابتهالات الدينية والمدائح النبوية إلى فضاء الهم الإسلامي الواسع فسعى في تحديث مضامينه وتنويع موضوعاته مواكبة لما يعتمل في الواقع الإسلامي من أحداث كبرى وتغنيا بمآثر الإسلام ورصدا لمسيرة دعاته وحكاية عن المحن التي تعصف بهم هنا وهناك، وتصويرا للأهوال والمحن التي يكابدونها في أقبية السجون والمعتقلات بغية إسكات أصواتهم وإخماد مشاعل النور التي حملوها في ليل الإمتهان والذل.
ولد رضوان خليل عنان المعروف بـ(ـأبي مازن)عام 1952 في حي المهاجرين وسط مدينة دمشق، وفيها التحق بمدارس التعليم العام. كما درس على عدد من العلماء والمفكرين منهم الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله. ثم التحق بكلية الهندسة وتخرج فيها في أواسط سبعينيات القرن الفائت.
بدأ أبو مازن تجربته الإنشادية أواخر الستينات. بشريط متكامل يشتمل على خمس أناشيد سجلها بجهد ذاتي وبأدوات متواضعة. ولم يكن يتوقع أن تحدث ذلك الأثر. ولا أن تنتشر بسرعة كبيرة تجاوزت القطر السوري إلى عدد من الدول العربية، فوضعه هذا الإنجاز أمام مسئولية كبيرة في مواصلة المشوار. فكانت أشرطته التسعة التي أنجزها خلال أعوام ثلاثة. نوع فيها بين الدعوي والتاريخي والاجتماعي. وأولى واقع الدعوة والدعاة اهتماما خاصا. فكانت (ملحمة الدعوة) و(قصة شهيد) و(حبيبتي بلادي). و(اليوم عيد). وتلقى عشاق هذا الفن والمهتمون به هذه الأشرطة بترحاب واسع. جعل من أبي مازن ألمع اسم في الفن الإسلامي يومئذ، وفتح الباب أمام تجارب أخرى لخوض هذه التجربة عبر منشدين منفردين كأبي راتب، أو فرقا إنشادية كروابي القدس والرابطة الفلسطينية وغيرهما.
لقي أبو مازن مضايقات جمة جعلته يتوقف عن الإنشاد في ذروة عطائه، ولما وصلت هذه المضايقات حدا لا يُحتمل؛ لم يكن أمامه غير السفر خارجا فاستقر في مصر وأسس هناك مشروعا صغيرا ظل يعتاش منه.
أنجز أبو مازن خلال إقامته في مصر والتي امتدت لأربعة عقود شريطا إنشاديا واحدا عنوانه (لا تحزني) لانشغاله أولا. ولأن الساحة الإنشادية أصبحت تعج بعشرات الأصوات فوجد فيها ما يكفي لإبقاء هذا الفن الرسالي حيا وحاضرا في حياة الناس.
وصوت أبي مازن صوت هادئ جميل يقتحم القلوب دون استئذان. عززه بألحان رائعة تستبطن المعنى. وترسم باقتدار بارع الجو العام للنص. وقد كان حريصا على انتقاء النصوص الإنشادية بعناية فائقة. ومن شعرائه الشيخ يوسف القرضاوي والإستاذ سيد قطب والأستاذ يوسف العظم والداعية جمال فوزي والشاعر هاشم الرفاعي.
رحم الله أبا مازن. وتغمده بواسع مغفرته. وجعل أثره الطيب حيا في الناس مرضيا عند الله.