مأرب وسنين الحرب.. بأس شديد حطّم أحلام ميلشيا الحوثي على أسوار المدينة

مأرب وسنين الحرب.. بأس شديد حطّم أحلام ميلشيا الحوثي على أسوار المدينة

في أطراف مدينة مأرب، يقود الجندي "سالم" ببزته العسكرية مركبة رباعية الدفع، عائداً من الجبهات الغربية للمحافظة، التي دارت فيها معارك عنيفة مع ميلشيات الحوثي خلال الثمان السنوات الماضية، ومازالت تدور فيها معارك متقطعة حتى مع سريان الهدنة الأممية.

يقول الشاب "الذي يبدو أنه في منتصف الثلاثينيات من العمر"، إنه بدأ بالانضمام إلى صفوف المقاتلين بمطارح "نخلاء" (تجمع من كافة القبائل اقاموا بخيام في ساحة مفتوحة) في أواخر العام 18 سبتمبر/ أيلول 2014 حينها كانت المعارك تدور في محيط العاصمة صنعاء، حيث تكونت نواة المقاومة الأولى الصلبة لمواجهة ميلشيات الحوثي الى الآن.

ينحدر المقاتل "سالم" من إحدى قبائل عبيدة التي يتركز تواجدها في مديرية الوادي أو ما يعرف بـ"وادي عبيدة"، وتضم عدد من القبائل اليمنية العريقة، وقال بلهجته المأربية: "استشهد من ربعنا (أهلنا أو قبيلتنا) الكثير من الغرامة (مقاتلين) لكننا ندافع عن بلادنا ولن نتركها للميلشيات ولو ما بقى منا رجال".

تلك العزيمة والتحدي التي تحدث بها "سالم"، الذي بدا في ملامحه الشاحبة من أتربة الجبال ورمال الصحراء، صلابة القبائل في مأرب في الدفاع والاستبسال والمقاومة للميلشيات، حيث بدأت القبائل في تشكيل المقاومة، وصمدت عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، في الوقت الذي كانت التهديدات تتوالى بقصف تجمعاتهم في المطارح بالقصف بـ"الطائرات الحربية".

 

 

قرار المقاومة والاستبسال

قرر أبناء مارب بكل فئاتهم وتوجهاتهم الوقوف صفا واحداً في منع ميلشيات الحوثي من دخول محافظتهم، وكان قرارا تاريخيا وصعبا في آن واحد كما يقول بعض أبناء المحافظة، حيث كانت الميلشيات تسيطر على المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى.

وفي سياق المجتمع القبلي يجرى فيه حالات الانقسام بين القبائل والثارات المعقدة التي لا تنتهي وتستمر لعشرات السنين، والتي تنتشر في إطار أبناء القبيلة الواحدة الذين يتقاسمون نفس المنطقة الجغرافية، وكان ذلك التحدي الأبرز لتشكل المقاومة لكن تم تجاوزه لمواجهة الخطر القادم على محافظتهم ويهددهم جميعاً.

خلال نحو تسع سنوات من القتال ومحاولات ميلشيات الحوثي السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط، فشلوا من جميع الجهات التي حاولوا التقدم عبرها، وقال مسؤول عسكري بمأرب: "خلال العاميين الماضيين حاول الحوثيين من جميع الجهات تحقيق اختراق ميداني للوصول إلى المدينة، شنوا هجمات من جنوب والغرب للمحافظة بفتح جبهات متعددة، لكنهم فشلوا".

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "حقق أبناء مأرب سواء كانوا في المقاومة أو الجيش ملحمة عظيمة في الدفاع عن المحافظات خلال السنوات الماضية، ومعهم كل أبناء اليمن المنضوين في صفوف الجيش الوطني".

وخلال سنوات الماضية استهدف ميلشيات الحوثي قيادة مأرب ورموزها القبلية في كافة مديريات المحافظة، إلى جانب الهجمات العسكرية، استخدمت أساليب عدة في اسقاط المحافظة لكن كلها بائت بالفشل نتيجة التماسك المجتمعي المساند للجيش والمقاومة، والذي رفع من يقظة الأجهزة الأمنية التي افشلت الكثير.

وقال الشيخ عبد الواحد الناتي المنصوري، وهو من أبناء قبيلة مراد "إن تجمع قبائل مارب في منطقة نخلا في سبتمبر 2014، كانت محطة تاريخية بعد أن نبذو الحزبية والعنصرية والثارات والمشاكل القبلية.

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن الدافع الحقيقي لتوحيد صفهم جرائم المليشيات بحق اليمنيين في المحافظات التي سيطرت عليها المليشيات ابتداء من صعدة وحجة وعمران وبقية المحافظات".

وأشار الشيخ المنصوري: "أن الأخطار كانت محدقة بمارب من كل الاتجاهات، من الجوف وصرواح وقانية"، لافتا "ان دور القبيلة في البداية كان الأساس، وبعد تأسيس الجيش الوطني استمر دور القبيلة في مساندة الجيش".

 

القائد عبد الرب الشدادي

يتفق كل أبناء مارب حول شخص القائد الشهيد "عبد الرب الشدادي" فقد كان أحد أعمدة الجمهورية والقبيلة معا، جمع في شخصيته صفة القائد العسكري والزعيم القبلي الملهم، فالتف حوله الكثير من أبناء القبائل ومعسكرات الجيش التي كانت ترابط في مأرب في وقت مبكر من اندلاع الحرب.

استشهد اللواء الركن "الشدادي" في أكتوبر/ تشرين أول 2016 بينما كان في الصفوف الأولى يقاتل مع الجنود في جبهة صرواح (غرب مأرب)، وقد كان شجاعاً وصلباً وملهماً للقادة والعسكريين الذين رافقوه خلال مسيرته النضالية الكبيرة، وتلك قصة ربما تروى للأجيال القادمة عن قيمة القائد العظيم.

عُرف عن "الشدادي" نزاهته وإخلاصه الوطني والإيمان بالتضحية والشرف العسكري الرفيع، وأطلق عليه لقب "مؤسس الجمهورية الثانية"، كثير من قيادات الصف الأول في الجيش الوطني منحوا ألقابا تمجد دورهم في الدفاع عن الوطن والجمهورية.

وجد "الشدادي" نفسه أمام مهمة كبيرة، عقب تعيينه في أبريل/ نيسان 2015، قائدا للمنطقة العسكرية الثالثة والتي مقرها مأرب، وكانت أولى مهامه التعامل مع تحديات ليست سهلة، وأبرزها الحفاظ عن تماسك القوة العسكرية الهشة وتجهيزها للقتال والمواجهة لأن العدو في الميدان يهاجم المحافظة، لكنه استطاع ترسيخ القيم العظيمة في الجنود والقادة والقتال معهم ببسالة.

وقاد بنفسه المعارك والانتصارات وجسد المعنى الحقيقي للقائد والمسؤولية فتشارك الطعام مع جنوده وكان متواضعا يعمل على توفير احتياجاتهم ولا يلجأ للأعذار، حتى أنه استشهد وعليه مديونية كبيرة من الأموال والتي كان يوفرها لمتطلبات الجنود وحاجاتهم اللوجستية والعسكرية.

 

نظام قبلي مساند للدولة 

تتمتع القبائل بنظام قوي خاصة فيما يتعلق بالسلم والحرب، وبعد التداول بين مشايخ القبيلة على اتخاذ الموقف يصبح الاتفاق ملزما على كل أبناء القبيلة، نظام صارم يحمي القبيلة من أي اعتداء محتمل، ومع التهديد الحوثي تحولت هذه النظام الصرامة  في مواجهة الميلشيات.

وقال حسن علي العبيدي، وهو من أبناء مقاومة مارب، "إن القبيلة تهدر دم المخالفين لما تم الاتفاق عليه، وتقطع علاقته مع أبناء القبيلة، ليس ذلك فحسب بل إنه يتحول إلى خصم يقف كل أبناء القبيلة ضده كائن من كان صغير أو كبيرا بعد أو قريب".

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "عندما اتفقت القبائل على مواجهة مليشيا الحوثي تعاهدوا على أن يكونوا يد واحدة في الوقوف بوجه المليشيات وتعهدوا على أنفسهم أن أي متعاون مع هذه المليشيات يسهل لها الدخول لمأرب يقطع من القبيلة أياً كانت قيمية".

وعملت القبائل كسند للدولة يلتزمون بالنظام ويعملون على حماية المصلحة العامة، وقال العبيدي "أن قبائل مأرب تتعاون بشكل كلي مع الدولة ورجال الأمن، مع القبائل من المحافظات الأخرى وستبقى مساندة بالمقاتلين للجيش الوطني والأمن، حتى دحر المليشيات من كافة تراب اليمن".

 

صرامة أمنية

حاولت ميلشيات الحوثي في كثير من الأوقات محاولة اختراق مجتمعي في القبائل خلال السنوات الماضية من الحرب، إلى جانب زراعة خلايا في مدينة مأرب (مركز المحافظة) لكن كانت هناك صرامة أمنية بإسناد من ساكني المدنية والذين اغلبهم من النازحين القادمين من المحافظات اليمنية التي شهدت معارك وسيطرة الميلشيات عليها.

كما شهدت مأرب أحدثا خطيرة تهدد أمن المحافظة وتؤثر على أحدث المعركة مع مليشيا الحوثي، وتم اخمادها والتخلص من العناصر التخريبية، لقبائل مارب الدور الأكبر في التبرؤ من تلك العناصر ومحاربتها جنبا إلى جنب مع الدولة والأمن.

وقال الإعلامي عبد الكريم الراشدي، وهو من أبناء مديرية الجوبة "إن القبيلة في مارب كان لها دورا أساسيا ومحوريا في التصدي للمشروع الكهنوتي الحوثي، حرصا منها في الدفاع عن النظام الجمهوري الذى ترى فيه القبيلة نظام العدالة والمساواة لأبناء الشعب الواحد".

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن للقبيلة دورا في استمرار النظام الحاكم وهذا ما تميزت به مارب في وقوفها في صف الدولة ضدا الكهنوت الجديد" مشيرا إلى أن القبيلة لبت نداء الجمهورية فشكلت المطارح" التي سبقت تشكيل الجيش الوطني وكانت النواة الأولى له".

وبعد نحو عقد من القتال مع ميليشيات الحوثي أوقفت محافظة مأرب على أسوارها "الإنتفاشة الحوثية" كما وصفها السياسي اليمني محمد قحطان المخفي في سجون الميلشيات، كانت البداية لأبناء قبائل مارب، وبعدها توافد اليمنيون من كل مكان وشكل الجميع قوات أكثر صلابة تعمل باستمرار وهدفها لاستعادة الدولة ومؤسساتها.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى