من بين أمور كثيرة وعدت بها الإبراهيمية في نسختها الأخيرة؛ بشارتهم المنكرة بطبع القرآن الكريم والتورات والإنجيل في مجلد واحد. والحقيقة أن هذه الفكرة هي الأساس الذي تقوم عليه هذه الدعوة المخاتلة، وأن ما سواها من أفكار ماهي إلا خطوط وألوان براقة يُراد منها التزويق والتسويق ليس إلا.
وأمام فكرة الجمع الثلاثية هذه تتبادر إلى الذهن أسئلة شتى في غاية قصوى من الأهمية. مفادها: ماهو القرآن الذي يريدون ضمه إلى التورات والإنجيل؟ هل هو القرآن الذي يحذر من اتباع طريق غير طريق الإسلام، فيقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) أم هو القرآن الذي يحصر دين الله في الإسلام: (إن الدين عندالله الإسلام)؟ أم هو القرآن الناقض لفكرة أن يكون اليهود والنصارى أبناء الله وأحباؤه وأنهم بشر ممن خلق؟ أم هو القرآن الذي يؤكد أن الله إله واحد وليس ثالث ثلاثة كما تقول ترهاتهم؟
هل هو القرآن الذي ينفي صلب عيسى، وينفي أن يكون المسيح أو عزير ابن الله، ويجعل أولى الناس بإبراهيم النبي محمد وأتباعه؟ أم هو القرآن الذي فضح المحرفين للتورات والإنجيل؟ أم هو القرآن الذي يؤكد أن هؤلاء قد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا. فقطعوا بذلك الصلة بينهم وبين الله؟ أم هو القرآن الذي رسم معالم الشخصية اليهودية والنصرانية المشبعة بالقيم المريضة كتحريف الكتب والتحايل على أوامر الله وعبادة العجل وتحريف الكلم عن مواضعه وأكل السحت. وادعاء التمايز والأفضلية وعدم الرضى إلا لمن تبع دينهم؟
هل هو القرآن الذي تعهده الله بالحفظ وزكاه دون غيره بأنه لا ريب فيه ويهدي للتي هي أقوم؟
أم هو القرآن الذي ينذر المعرضين عنه إلى كتب أخرى بالعيشة الضنك وبحمل الوزر يوم القيامة؟
هم يعرفون ذلك وغيره من القرآن وطالما كانت نيتهم في طبعه مع التوراة والإنجيل في مجلد واحد. وقد أعدوا لها عدتهم؛ فإن خطوة جريئة وحتمية سيقومون بها قبل هذا الجمع. تتمثل في حذف كل الآيات بل والسور التي تزعجهم وتقلقهم حتى يصبح القرآن في نظرهم كائنا مسالما يلتقي مع توراتهم وإنجيلهم في طبعة جديدة ومنقحة مقتصرا على العبادات والتشريعات المقبولة لديهم.
ولا بأس لديهم في حذف فقرات من الإنجيل وأخرى من التورات حتى تصبح الطبخة أحلى. وبذلك يتجاوزون الجمع الصوري إلى جمع حقيقي يبشر بديانة مرقعة يكون معتنقها شخصية ثلاثية مضحكة تترنم بالتلمود وتعلق الصليب على صدرها وتحمل في يدها سُبحة.. وعندها فقط سيبتسم الشيطان.. لكن هذه الابتسامة لن تكتمل.. لأن الذي أنزل القرآن قال وقوله الحق (وإنا له لحافظون).. فليلعبوا قليلا..