مؤخراً، ظهر زعيم مليشيا إيران في اليمن عبدالملك الحوثي، متقمّصاً دور المدافع عن العروبة والهويّة العربية، والمعادي للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.
جاء ذلك في خطاب متلفز بثّته قناة المسيرة الحوثية في 23 فبراير 2023، قال فيه إن "التربية في كيان العدو هي تربية لعداء العرب في المقدمة".. منتقداً المناهج الدراسية في دولة الإمارات العربية المتحدة قائلاً إنها "تقدم صورة مختلفة عن الصهاينة".
وعبّر الحوثي، عن انزعاجه الشديد من الانتقادات لإيران وتخادمها مع إسرائيل لتدمير البلدان العربية، زاعماً أن "موقف الجمهورية الإسلامية في إيران موقف مشرف فهي أكبر داعم ومساند للشعب الفلسطيني وهذا ما يقلق الإسرائيلي تجاهها".
وبقدر ما أثار هذا الخطاب سخرية اليمنيين، فإنه يجدد التأكيد على زيف الشعارات التي ترفعها مليشيا الحوثي منذ ظهورها في جبال صعدة قبل نحو عقدين، كونها تتناقض مع ممارساتها على الواقع.
وبلغ الأمر بالحوثية أن قامت بطمس كل ما له علاقة بفلسطين والعروبة عموماً من المناهج الدراسية اليمنية، من خلال إجراء تغييرات تستهدف التاريخ العربي والقضية الفلسطينية، وإدخال مصطلحات طائفية لصالح مشروع إيران وإسرائيل. كما سنفصل أدناه.
اتخذت الحوثية شعار النظام الإيراني "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود" شعاراً لها، ودأبت على نقشه بجدران المنازل والمدارس والمؤسسات الخدمية، وتصرخ به في المساجد والمجالس وحينما تقتحم المدن والمنازل وأثناء قتلها لليمنيين والتمثيل بجثامينهم.
وكان نظام الخميني، قد جعل من هذا الشعار والقضية الفلسطينية غطاءً لسياسته الخارجية متخذاً من الأقليات الشيعية وسيلة لاختراق المجتمعات العربية وتنفيذ مخططاته التوسّعية في المنطقة.
وبرزت الحوثية في اليمن كأخطر الأدوات الإيرانية على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية خصوصاً، ففي الوقت الذي ترفع شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل" وتقيم فعالية سنوية باسم "القضية الفلسطينية"، فإنها تستهدف كل ما له علاقة بفلسطين- قضية ومقاومة وشعب.
ومع اجتياح مليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، احتفت طهران بما أسمته "سقوط العاصمة العربية الرابعة" في قبضتها. ومثلها إسرائيل قالت إن سيطرة الحوثيين على صنعاء "يحقق مصالح جيوستراتيجية ذات إسقاطات طويلة الأمد لإسرائيل".
ولم يكن الإحتفاء الإسرائيلي مجرّد أمنية، بل واقعاً يستند إلى خدمات قدمتها الحوثية منذ وقت مبكّر، بهدف الحصول على خدمات لوجستية وتأييد إسرائيلي في المحافل الدولية لتمكينها من حكم اليمن، وفقاً لما كشفته تقارير صحفية.
وفي العام 2007 أثناء حروبها الأولى ضدّ الحكومة، بدأت الحوثية بمضايقة الأسر اليمنية اليهودية التي تسكن مناطق آل سالم بمحافظة صعدة، وخيّرتهم بين الموت أو الرحيل، وهو ما مكّن المنظمات الصهيونية وعلى رأسها الوكالة اليهودية من إجلاء نحو 200 يمني من أتباع الطائفة اليهودية عبر رحلات جوية سرّية إلى إسرائيل.
وكان هذا حلماً بالنسبة لإسرائيل لم تستطع تحقيقه منذ عقود، فهذه الأسر كانت ترفض الإغراءات الإسرائيلية وفضّلت العيش في بلادها اليمن، خصوصاً وأن الحكومات اليمنية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 اعتبرتهم قضية قومية رافضة تهجيرهم لأي سبب وتحت أي ظرف.
وفي مارس 2016، أعلنت إسرائيل نجاحها في نقل آخر 19 يهودياً يمنياً عبر "عملية سرية ومعقدة" أشرفت عليها الوكالة اليهودية.
ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صوراً لاستقبالهم بتل أبيب ومعهم مخطوطة يمنية لـ"التوراة" يعود تاريخها إلى ما قبل 500 عام، وهو ما أثار غضباً شعبياً واسعاً ضد مليشيا الحوثي التي لم تكتف بتهجير اليمنيين إلى إسرائيل وإنما استخدمتهم لتهريب الآثار اليمنية ضمن صفقات مشبوهة تستهدف تاريخ وهويّة اليمن.
وتاريخياً لم يحدث تهجير يهود اليمن إلا في زمن الأئمة، والتي تعد أسرة الحوثي امتداداً سلالياً وفكرياً لهم، فقد أبرموا صفقات مع إسرائيل مقابل إجبار الأسر اليهودية اليمنية على الهجرة إليها في مراحل متعددة، قبل أن يتوقف ذلك بعد قيام الجمهورية، وهو ما استأنفته الحوثية مؤخرًا. ولهذا تتميّز علاقة الحوثيين بإسرائيل بأنها ذات امتداد تاريخي بخلاف أذرع طهران في المنطقة.
ومنذ اجتياحها للعاصمة صنعاء، كان من أولويات مليشيا الحوثي إغلاق الجمعيات التي تقدّم الدعم للمقاومة الفلسطينية، ونهب محتوياتها واختطاف وتعذيب القائمين عليها والعاملين فيها.
وبعدها استبدلت صناديق التبرعات الخاصة بالشعب والمقاومة الفلسطينية في المساجد والشركات والمحال التجارية بأخرى خاصة بدعم حربها ضد اليمنيين.
ولاحقاً، نفّذت عمليات مداهمات وملاحقات لمن كان ينشط في دعم المقاومة الفلسطينية، وشملت اختطاف مدراء فروع جمعيات الأقصى بمحافظات عمران وصنعاء وذمار وإب، وما تزال تحتل كل مقرات الجمعية وتمنع نشاطها.
وأوضحت جمعية الأقصى، في بيان، أن اقتحام الحوثيين لمقراتها وتهديد حياة العاملين فيها وتقييد حريتهم، أسقط كفالة أكثر من 3000 يتيم فلسطيني، و350 أسرة كانت تكفلهم الجمعية، إضافة إلى توقف عشرات المشاريع التي كانت تنفذها الجمعية باسم أهل اليمن في فلسطين.
وطالت الحملة الحوثية طلاب فلسطين في الجامعات اليمنية من خلال الملاحقات والاختطافات، وصولاً إلى إغلاق السكنات الخيرية التي كانت مخصصة لهم في صنعاء.
وفي فبراير 2019 اقتحمت منزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بصنعاء، ورفضت تسليمه، وهو ما اعتبره وزير الإعلام معمر الإرياني "اعتداء على واحدة من رمزيات القضية الفلسطينية باعتبار عرفات، كان واحدًا من أبرز رموز النضال الفلسطيني في وجه الإحتلال الصهيوني".
وبلغ بها الأمر، إلى طمس كل ما له علاقة بفلسطين والعروبة عموماً من المناهج الدراسية اليمنية، من خلال إجراء تغييرات تستهدف التاريخ العربي والقضية الفلسطينية، وإدخال مصطلحات طائفية لصالح مشروع إيران وإسرائيل.
ووفقاً لدراسة تحليلية أعدها الباحث الدكتور عبدالكريم اليماني، بعنوان (المناهج اليمنية والتغييرات التي أحدثها الحوثيون)، فقد طالت هذه التغييرات المناهج الدراسية من الصف الأول الأساسي وحتى الصف الثالث الثانوي، ووثّقتها من خلال المقارنة بين الطبعة الشرعية للمناهج الصادرة عام 2014 وتلك التي طبعتها مليشيا الحوثية في 2017.
وعمدت الحوثية إلى النيل من الانتماء للعروبة ومن عروبة القضية الفلسطينية، بتحجيم القضية الفلسطينية خدمة لإسرائيل، فبدلاً من كونها تهم الشعوب العربية جعلتها خاصة بالفلسطينيين فقط بحذفها كلمة "العربي" من عبارة "الحق العربي الفلسطيني" لتصبح "الحق الفلسطيني".
وحذفت ما يشير إلى حادثة الإسراء والمعراج؛ في كتاب القراءة (ثاني أساسي، ج2، ص132)، والتي محورها المسجد الأقصى وما أكسبته من رمزية جعلته ثاني أهم المقدسات الإسلامية.
كما حذفت كل العبارات التي تضم إشادة ببطولات القائد العربي صلاح الدين الأيوبي قائد معركة تحرير القدس، وقائد معركة حطين، بسبب موقفه من الدولة الفاطمية. كما حذفت اسم الصحابي خالد بن الوليد، قائد معركة القادسية إحدى أكبر معارك فتح فارس.
وعمدت إلى حذف ما يشير إلى تقدّم الدول العربية ورقيّها، والتقليل من شأن العرب عموماً مجاراة لنظرة إيران السلبية تجاه العرب والعروبة؛ ومنها استبدال "شعراء العربية" بلفظ "شعراء الإسلام".
وتضمنت التغييرات اتهام أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة بالبعد من منهج الله، وتكفير جميع حكام المسلمين ممن ليسوا من "آل البيت" مهما كانت تضحياتهم في سبيل الإسلام والمسلمين".
وأدرجت في عدد من كتب المرحلتين الأساسية والثانوية، مواضيع تروج لثقافة السلاح والقتال، وتحرض ضد دول الخليج العربي ومنها ما تسمّيه "العدوان السعودي الإماراتي على اليمن".
واعتبرت الدراسة التغييرات التي أحدثتها جماعة الحوثي في المناهج تهديداً كبيراً للأمن القومي العربي. وهو ما يشير إلى حجم الخطر المتنامي على استقرار اليمن دول الجوار والمصالح الدولية في المنطقة مع استمرار الحوثيين في تغيير المناهج وتعبئة الأطفال بالأفكار الطائفية وتجنيد البسطاء ضمن مشروع الخميني باستدراجهم عبر الشعارات القومية والدينية الزائفة.