كانت ميلشيات الحوثي في ذروة سطوتها على مؤسسات الدولة في مطلع 2015 تستعد لمعركة السيطرة الكاملة على مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، وكادت ان تحقق ذلك لولا تكون المقاومة الشعبية التي قادها أبناء المدينة في أحياء صغيرة في المدينة بينما تحيط الميلشيات بهم من كل مكان، وبدأت حالة الاستبسال المستمرة إلى الآن.
كان الحوثيون في كل انحاء المدينة ما عدا بعض الاحياء، أبرزها شارع جمال وحي الروضة، في ذات الوقت كانت الميلشيات تتمركز في قلعة القاهرة التاريخية، وتستطيع من خلالها استهداف كل من في تلك الأحياء، وبدأ النضال المسلح لأبنائها وتكوين بذرة المقاومة المسلحة، والتي نمت وعملت على تحرير أجزاء واسعة من المدينة وعملت على حمايتها، إنه الإيمان بالمقاومة.
رغم كل الهجمات المتتابعة واستمرار حصار مليشيات الحوثي لمدينة تعز منذ ثمانية أعوام واستهداف المدنيين بالقتل عبر القنص المباشر والقصف المدفعي إلا ان ابناء تعز استطاعوا إفشال الهجمات المكثفة على المدينة منذ اندلاع الحرب، وتلقت الميليشيات أقسى الضربات فيما سطر المقاومون وأبناء المدينة ملحمة من الصمود.
وعجزت المليشيات الحوثية عن كسر مدينة الصمود على أطراف المدينة. واستهدفت تلك المليشيات كل كائن حي يمر من أمام فواهة القناصات او العيارات المتوسطة دون التميز بين طفل او إمرأة أو كبير في السن ومن لم تطأهم رصاصة القنص والسلاح المتوسط يتم ملاحقتهم بقذائف المدفعية مستهدفة الاحياء السكنية المكتظة بالسكان والأسواق الشعبية حتى تركع هذه المدينة.
صمود أسطوري في تعز
وعندما كان أبناء الجيش والمقاومة الشعبية ينظرون الى الحاضنة التي تصمد بجراحها ولم تخوفها قذائف الموت الساقطة على احياء متفرقة من المدينة، كان ذلك يزيدهم قوه وتحدي وصمود أكبر، مما جعل جثث المليشيات القادمة للسيطرة على المدينة مرمية بكل الشعاب والوديان، وبقيت تعز كابوسا يؤرق جموع الميلشيات التي لم تتوقف عن الوصول للجبهات.
الحاج "احمدحسن" (65عاماً) يسكن شرقي المدينة، والتي كانت من الأحياء التي تقصف من قبل ميلشيات الحوثي بشكل جنوني بكل أنواع الأسلحة وقال: "عندما كان يحل الظلام يبدأ الخوف ولا أحد يعرف هل سيأتي الصباح ونحن لانزال على قيد الحياة أم تحت ركام القصف الحوثي العشوائي".
وقال في حديث لـ"الصحوة نت"، "كنا نحلم بالبقاء امام المنزل الذي نسكن فيه لكي نشتم نسيم الصباح لأننا لا نستطيع فعل ذلك، بسبب الخوف من الرصاص الغادرة التي تأتي من المرتفعات التي يسيطر عليها الحوثيون وجعلتها ثكنات عسكرية تستهدف الجميع حتى الأطفال والنساء وكبار السن".
وأضاف: "كنا غير قادرين على الوصول الى البقالات لشراء احتياجاتنا، إلا عبر السواتر الترابية التي عملها شباب المقاومة آنذاك، كانت ميلشيات الحوثي أقرب الينا ولم تفصلنا عنها الا مسافة قصيرة وكانوا يستهدفون الجميع، لكن الوضع تغير الان لقد تم طردهم".
ورغم سنوات الحرب الطويلة لم تتغير حالة المقاومة الشعبية ضد ميلشيات الحوثي وكانت هي الرافد الأساسي للمقاتلين من قوات الجيش والمقاومة، لقد عملت على إسنادهم في كل الجبهات، إنها القوة الحامية الحقيقة لبقاء المدينة متحدية وصامدة أمام كل تلك الهجمات.
وقال الحاج حسن: "بالرغم من الدمار والخوف من القصف العشوائي، إلا ان هذا لن يغير من مبادئنا في رفض الميلشيات، ولن نتوقف عن التضحية حتى يتم اجتثاث هذه العصابات الإجرامية من كافة المحافظات وليس تعز فقط".
الهدنة.. حيلة الحوثيين الفاشلة
خلال مراحل الهدن ووقف إطلاق النار مع ميلشيات الحوثي في جبهات القتال بجميع المحافظات اليمنية، كانت مدينة تعز يستمر فيها القتال ببطيء فقط بدون أي مكسب حقيقي، وآخرها الهدنة الطويلة والمستمرة التي بدأت في إبريل/ نيسان 2022، حيث كان من المفترض أن يتم إنهاء الحصار عن المدينة ضمن البنود المتفق عليها لكن ذلك لم يحدث وواصلت الميلشيات رفضها المطلق.
وخلال الأشهر الماضية حاولت ميلشيات الحوثي تنفيذ هجمات في عدد من الجبهات في محاولة تحقيق أي اختراق ميداني لكنها فشلت في ذلك، إلى جانب أنها لم تكف عن القصف العشوائي للأحياء السكنية واستهداف المدنيين، ضمن محاولات عديدة للانتقام من المدينة وكسرها، وحاولت استخدام وسائل أخرى لضرب المدينة من الداخل.
وفي أكتوبر/ تشرين أول 2022، أعلنت شرطة تعز، القبض على عصابة تابعة للحوثيين تقوم بعمليات تفجير وزرع العبوات الناسفة وسط مدينة تعز، بعد جريمة تفجير عبوة راح ضحيتها طفلة وقاضي وإصابة آخرين، واعترفت بتنفيذ التفجيرات لصالح الحوثيين، وكشفت عن تسليم المتهمين مبالغ مالية.
وقال العقيد عبد الباسط البحر "منذ اعلان الهدنة وحتى الان ورغم هدوء كل الجبهات وخاصة جبهات الحدود مع الاشقاء الا أن وتيرة الاعمال العدائية زادت في تعز، وعملت الميلشيات منذ الهدنة على تحشيد وإنشاء معسكرات واستحداثات عسكرية ومحاولات تحقيق اختراق ميداني بالتسلل في الجبهات بتغطيات بطيران المسير وقصف عشوائي بمختلف انواع الأسلحة".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن المليشيات تستخدم المدفعية الصاروخية الكاتيوشا وزراعة الغام والحواجز وتشديد الحصار الجائر ومنع التنقل واغلاق المعابر الرئيسية الى المدينة، وتقوم بعمليات القنص المستمرة،" لافتا "أن هجمات الحوثي على تعز تعبر عن حقد و انتقام من أبنائها".
وأفاد البحر "أن الجيش والمقاومة وبإسناد من أبناء تعز أحبطوا جميع المحاولات، والحاضنة الشعبية تعد رافعة أساسية للصمود رغم قلة الإمكانيات إلا انها استطاعت افشال مخططات الحوثيين العسكرية ومنع أي استحداثات عسكرية يقومون بها واستهداف كل مصادر النيران".
وعملت قوات الجيش خلال السنوات الماضية على تأمين كل المناطق المحررة والحفاظ على الأرض المكتسبة ولم يستطيع الحوثي ان يحقق أي نتائج ولم يتقدم شبرا واحدا بفضل صمود واستبسال الابطال وحراس تعز الأوفياء، وإيمان أبنائها بقضيتهم العادلة وانتمائهم لليمن الكبير، بحسب العقيد البحر.
نضوج الرؤية الوطنية
عبر تاريخ اليمن الحديث مثلت مدينة تعز حالة استثنائية في كونها مركز التثقيف الوطني وحركات التحرر الوطني من الاستبداد والاستعمار، لم تقبل المدينة يوماً حالة الخضوع للمشاريع الطارئة عليها، وكانت حاضنة للمشروع الوطني الجامع منذ اعلان الجمهورية مروراً بكثير من التحولات الوطنية الكبيرة خلال أكثر من نصف قرن.
وقال العقيد عبد الباسط البحر "أن صمود تعز ليس من اليوم في إفشال هجمات الحوثي فقط، بل عملت على الضد من كل المؤامرات التي استهدفت المشروع الوطني والجمهورية والثورة وفي كل المحطات التاريخية وكل المنعطفات ومراحل النضال الوطني".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن محاولات سيطرة الحوثيين، زاد من مشروع تعز الثوري ومواجهتها وقدمت ضريبة باهضة لرفضها لهذه المشاريع السلالية الخبيثة الكهنوتية الدموية العمالة ولارتهان زادت وتيرتها من قبل ابناء تعز وزادة الضريبة التي دفعت".
ووثق مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الانسان وقوع 792 انتهاكا طالت المدنيين بمحافظة تعز خلال العام المنصرم 2022، تسببت ميلشيات الحوثي بشكل مباشر في وقوع 523 انتهاكاً، ووفق بيان "مقتل 113 مدنيا بينهم 16 طفلا و12 امرأة على يد مختلف الأطراف بتعز، فيما سقط نحو 14 مدنيا بينهم امرأتين و5 أطفال جراء استهدافهم المباشر بمختلف القذائف الثقيلة، وسقوط 12 مدنيا بينهم 3 نساء وطفلين بالقنص المباشر من قبل قناصين يتبعون مليشيا الحوثي".
وقال العقيد البحر "إن أبناء تعز حمو كل الثغور وتمكنوا من افشال هجمات الحوثي وقضوا على جميع هجماتهم، وتم تدمير كثير من معداتهم العسكرية، وقضوا على أحلام ميلشيات الحوثي بالسيطرة على اليمن وإعادة عجلة دورانها الى الوراء من تعز".
وأضاف: "استطاع أبناء تعز انتزاع النصر وتحقيقه وتأمين المواطنين ورغم كل ما يحاك من كل المؤامرات ويعود الفضل لله ثم للجيش والمقاومة الشعبية ثم للوعي الشعبي الحاضنة الشعبية الدرع الذي كان لهذه المدينة".
وأعتبر العقيد في الجيش عبد الباسط البحر "أن الحاضنة الشعبية هي صانعة الأهداف بدون منازع وهي التي امدت الابطال بكل شي ووفرت كل الإمكانيات و عملت على الحمير والجمال وفي الجبال واستحداث الطرقات الى إيصال الإمدادات والمعونات للجيش والمقاومة ولأبناء تعز المدنيين الاخرين".
وقال: "لدى أبناء تعز تصور ناضج للمعركة الوطنية ولم يتأثر من الإشاعات التي نالت من المدينة والتقليل من التضحيات التي قدمها الابطال، والتي أرادت بث اليأس في أوساط السكان، وهذا بفضل الوعي الكبير الذي يحمله أبناء المدينة".