أصبح القتلى الأطفال المجندين مشهد مألوف في وسائل إعلام مليشيا الحوثي، حيث أنها لا تكترث للجريمة التي ترتكبها في حق المستقبل والطفولة.
حيث أعلنت المليشيات عن تشييع عدد من قتلاها الشهر الماضي، لقوا مصرعهم في معارك ضد الجيش في جبهات عدة من بين الضحايا الطفل "أصيل الليثي".
ويعد يوم 12 فبراير من كل عام يوماً لمناهضة تجنيد الأطفال، خصصته الأمم المتحدة للتذكير بحماية الاطفال من الانتهاكات أثناء النزاعات وعدم الزج بهم في الصراع، لكن مليشيا الحوثي تمارس تلك الانتهاكات علنا على مرأى ومسمع المجتمع الدولي والمنظمات باطمئنان تام ولا يعدون ما يفعلوه جريمة.
ضحايا جدد
"أصيل" ليس أول ضحايا تجنيد الأطفال ولن يكون آخرهم، والتي نشرت ميلشيات الحوثي صورته ويبدو أنه لما يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وتفتخر الميلشيات بنشر صورته كنوع من التفاخر، وقالت "انه قتل في هجوم على مواقع للجيش السعودي في جيزان"، وهي رواية اعتادت عليها المليشيات لتسويق نفسها أنها تقاتل في العمق السعودي فيما الواقع غير ذلك.
ينحدر الطفل "أصيل عبدالله أحمد مسعد الليثي" من قرية "الحم" منطقة سماه، مديرية عتمة محافظة ذمار (جنوبي صنعاء)، كان من المفترض أن يكون طالب في مدرسة يهتم بدروسه ويعيش طفولته كما الأطفال، لكنه غادر الحياة مبكرا وبيده بندقية.
في المنطقة ذاتها يؤكد عدد من الأهالي أن أعدادا أخرى من الأطفال بعمر الطفل "أصيل" لقوا مصرعهم في جبهات القتال في صفوف مليشيا الحوثي منذ ما بعد سيطرة المليشيات على العاصمة ومؤسسات الدولة.
جريمة قديمة جديدة
تجنيد الأطفال في صفوف مليشيا الحوثي، والزج بهم في معاركها ضد الجيش ليس وليد انقلاب مليشيا الحوثي الارهابية إنما بدأته مبكرا منذ تمردها الأول على الدولة في 2004، في مناطق وجبال صعدة، لكنها تضاعفت أضعاف عدة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء.
تقارير محلية ودولية تؤكد نهج المليشيات الحوثية الإرهابية في تجنيد الأطفال مرجعة ذلك لأسباب عدة منها استغلال الحالة الاقتصادية لأسر أولئك الأطفال، استخدام المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية في اجبار الأسر على الدفع بأبنائها أو أحدهم على الأقل للقتال في صفوف المليشيات الإرهابية.
وتستغل المليشيات المدارس والمركز الصيفية في استقطاب المئات من الأطفال وتعبئتهم فكريا وطائفيا للزج بهم في الجبهات لاحقا، مستغلة الوضع الاقتصادي للأسر واحتكار بعض الخدمات واستغلالها لإجبار الأسر على الدفع بأطفالهم وانخراطهم للقتال في صفوف المليشيات.
تجنيد الآلاف
ووثقت منظمات حقوقية تجنيد عدد 5588 طفل تم تجنيدهم خلال الفترة من 2015وحتى 30 ديسمبر 2022م، بواقع 5467 تتحمل مسؤولية تجنديهم جماعة الحوثي، و93 تتحمل الحكومة الشرعية المسؤولية عن تجنيدهم، بحسب بيان حقوقي صدر اليوم الاحد عن 24 منظمة حقوقية.
وتتهم الأمم المتحدة الحوثيين بأنهم أكثر من يقومون بتجنيد واشراك الاطفال في النزاع المسلح، إضافة إلى أطرافاً أخرى بعضها أصبحت جزء من الحكومة المعترف بها دوليا متهمون أيضا وإن بنسبة قليلة جدا مقارنة بالحوثي.
ووفق تقرير فريق الخبراء الدوليين "فإن مليشيا الحوثي جندت خلال العام2021، نحو 1406 طفلا، كلهم لقوا حتفهم في جبهات القتال وهجمات الجماعة ضد مواقع القوات الحكومية المعترف بها دولياً".
التقرير ذاته ذكر "أن 562 طفلا أيضا تم تجنيدهم خلال خمسة أشهر أيضا من عام 2021، وان أعمار الضحايا الأطفال تتراوح بين 10 و17 عاما". وحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) "كان واحدا من ضمن 3995 طفلا يمنيا جندتهم أطراف الحرب خلال السنوات الثمان الماضية".
تدخل حكومي مبكر
قال رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي "إن عشرات الآلاف من الأطفال اليمنيين تم إشراكهم في النزاع المسلح خلال ثمان سنوات من الحرب غالبيتهم العظمى في صفوف الحوثيين".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن الانتهاكات بحق الطفولة من أطراف عدة تضاعفت خلال سنوات الحرب الى أكثر من %500 على الأقل خصوصاً تجنيد الأطفال دون سن ال18، وأن استغلال الأطفال للقتال يعتبر جريمة حرب".
وأشار "أن هناك جهود إيجابية بذلتها ولا زالت تبذلها مؤسستي الرئاسة والحكومة اليمنية ووزارتي الدفاع والداخلية كنتيجة مباشرة لحملات سياج ضد تجنيد الأطفال منذ ما قبل 2011، للحد من تجنيد الأطفال".
ولفت القرشي "أن تلك الاستجابة تمثلت في صدر أول قرار رئاسي في العام 2013، بمنع تجنيد الأطفال، وقبله قرار من الفريق علي محسن صالح بتسريح 100 طفل مجند والامتثال الفعلي للتعاون مع جهود تسريح الأطفال والمشاركة في إعادة تأهيلهم".
وتابع: "تمثلت استجابة الحكومة لتلك الحملات في توقيع حكومة محمد سالم بالندوة خطة مع الأمم المتحدة في ابريل 2014، للحد من المشكلة إلا أن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء اجهض تلك الجهود وضاعفت المشكلة بنسب تجنيد للأطفال مهولة وغير مسبوقة في تاريخ اليمن".
وحث رئيس منظمة سياج احمد القرشي، الحكومة والأمم المتحدة وكافة المعنيين بحقوق الطفل إلى وضع آلية تنفيذية ضامنة لتحقيق حلول عملية لمواجهة هذه الكارثة والحد من آثارها الخطيرة على اليمن والمنطقة برمتها. ودعا إلى "محاسبة المتورطين في تجنيد الأطفال بزيادة الوعي في أوساط المجتمع وردم الأسباب الجوهرية للمشكلة".
تجديد المطالبات
وطالبت اليوم الاحد منظمات يمنية وقف تجنيد الأطفال، وعدم إشراكهم في العمليات العسكرية بين أطراف الصراع في اليمن، وقالت: "أن مليشيا الحوثي هي الجهة الرئيسية المتورطة في جرائم تجنيد الأطفال بآلاف الحالات".
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة استغلال الاطفال كجنود، قالت 24 منظمة في بيان مشترك "أن جماعة الحوثي سعت بوتيرة عالية إلى استقطاب وحشد الأطفال إلى معسكراتها، وجندت لذلك كل الوسائل المتاحة أمامها؛ سيما المدرسة والمسجد والمراكز الصيفية ووسائل الإعلام".
إلى ذلك قالت الحكومة اليمنية، "أن مليشيا الحوثي الارهابية تواصل استدراج وتجنيد الاطفال وتفخيخ عقولهم بالأفكار الارهابية المتطرفة وشعارات الموت والحقد والكراهية المستوردة من إيران".
وحذر وزير الاعلام معمر الارياني " من خطر نتائج هذه الممارسات على المدى البعيد، حيث سيفيق العالم ذات يوم على جيش من الإرهابيين، بعد انتزاع عشرات الآلاف من الاطفال من مقاعد الدراسة لمعسكرات طائفية"، وفق ما نشرت وكالة "سبأ" الرسمية.
وطالب الارياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها لليمن ومنظمات حقوق الانسان القيام بمسئولياتهم القانونية والانسانية والاخلاقية ازاء هذه الجريمة، والشروع في اعداد قائمة سوداء بقيادات وعناصر المليشيا الحوثية المتورطة في تجنيد الأطفال، وادراجهم في قوائم العقوبات.