شبابنا.. جيل بلا اعتبارات

شبابنا.. جيل بلا اعتبارات

ثمة اعتبارات دينية واجتماعية من شأنها أن تقي المجتمع من مزالق التفسخ وعوامل الانحلال، وأن تجعل منه كيانا قويا متعاونا متعايشا يمتلك من أسباب المنعة والقوة ما يجعله قادرا على إدارة كفة الحياة وحل مشكلاتها وتجاوز صعوباتها والحفاظ على قدر مقبول من الهدوء المجتمعي والطمأنينة.

وهذه الاعتبارات كانت حاضرة إلى وقت قريب في حياة الناس موجهة لسلوكهم وضابطة لتعاملاتهم، وهي اعتبارات كثيرة ومتناغمة.

وتبدأ هذه الاعتبارات من البيت حيث يقيم أفراد الأسرة اعتبارا رفيعا للأب رب الأسرة وللأم باعتبارها المدرسة السلوكية والأخلاقية الأولى، فإذا ما تجاوزنا عتبة البيت كان الاعتبار في الخارج قائما بصورة أكثر وضوحا وأشد فاعلية: للجيرة كقيمة إنسانية وللجيران كشركاء حياة، ولفلان لصلاحه. ولفلان لعلمه. ولفلان لقرابته. ولفلان لطيب أخلاقه. ولعاقل الحي لسلطته ولدوره في فض النزاعات وفصل الخصومات. وهكذا تنتظم القيم والأخلاق في سلسلة من الاعتبارات الحية الفاعلة بين أفراد المجتمع.

ولا تقتصر هذه الاعتبارات على الأشخاص. بل إنها تمتد لتشمل الأمكنة أيضا: فللمسجد اعتبار عظيم فهو بيت الله ومنارة إشعاع وعلم. وللمدرسة اعتبارها فهي منهل العلم ومصنع الرجال. وحتى الأسواق كان لها اعتبارها. فهي باب رزق ومضمار سعي.

وللمناسبات الدينية والاجتماعية اعتباراتها إجلالا واحتراما. ثم بعد ذلك كله ثمة اعتبار للحياة كقيمة جميلة. يعيش في ظلالها أفراد المجتمع أخوة متحابين. ترفرف عليهم أجنحة الأمن والسكينة.

ووسط هذه الاعتبارات الحية كان ينشأ جيل الشباب، وفي ظل هذه الأجواء الصحية كان يتشكل وجدانهم. وتتلامح أخلاقهم، فلا تجد فيهم غير الإبن البار والجار الطيب والفرد الصالح. وكلهم مقبلون على الحياة فرحا وكسبا وتطويرا للذات واحتفاء بوجود عامر بمسرة التعايش والإيمان المطلق بالإنسان وإعطائه اعتبارا يليق به.

إن شعائر الله التي حث القرآن الكريم على تعظيمها ووصفها بأنها تقوى القلوب ودعانا لتمثلها اعتقادا وسلوكا ليست سوى اعتبارات حية إذا سالت جداولها في تلافيف النفس الإنسانية حولت صحاريها رياضا وزعازعها أنساما، وصفاصفها حقولا مزدانة بالغلال الوفيرة والخيرات الكثيرة.

ومن المؤسف اليوم أن كل هذه الاعتبارات أو جلها سقطت من حسابات جيل الشباب، فصار موحشا. لا ترى منه إلا ما يُسيء. ولا تسمع منه إلا ما يُغضب. وصارت الشتائم والسباب شارة الاستقبال والتوديع فيما بينهم. وظهر من بينهم من يهين أباه ويضرب أمه او يقتلهما ويسرق جاره. واختفت المدرسة والمسجد عن أبصارهم وبصيرتهم، وغاب الوازع الديني والاجتماعي عن تفكيرهم. فظهرت الجرائم المنظمة والتشوهات المنكرة التي يندى لها الجبين. وماتت في نفوسهم كل الاعتبارات. وتمكن القات من الاستيلاء على تفكيرهم وحركاتهم وسكونهم. فأصبحوا لا يجتمعون إلا له. ولا يفترقون إلا عليه. وفي علم الله وحده ما ستفضي إليه هذه الحالة في بلد تطحنه حروب كثيرة: حرب البارود وحرب الغلاء.. وحرب.. وحرب.. لكن أخطرها حرب القيم. تلك التي يذهب ضحيتها أعز ما يمتله المجتمع. ألا وهو جيل الشباب.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى