يحتفل العالم اليوم الثلاثاء، 24 يناير، باليوم العالمي للتعليم، في وقت يمر فيه قطاع التعليم في اليمن بأوضاع مأساوية وغير مسبوقة، وتحديدا في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الإرهابية التي تواصل تجريف التعليم وتحريف المناهج واستغلال المدارس للتجنيد، ونهب رواتب المعلمين للسنة السادسة على التوالي.
ويعد قطاع التعليم من أكبر القطاعات المتضررة، حيث أدى سلوك الجماعة الحوثية منذ انقلابها إلى تعطيل العملية التعليمية بشكل شبه كلي، وارتكبت بحق المعلمين الآلاف الانتهاكات، بين قتل وخطف وتعذيب، في حين لم تسلم حتى المدراس من القصف والاستهداف.
ووفقا لنقابة المعملين اليمنيين، فإن المليشيات ارتكبت أكثر من 31 ألف انتهاك ضد العملية التعليمية والتربويين، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، خلال الفترة بين سبتمبر (أيلول) 2014، وديسمبر (كانون الأول) 2021.
وسبق أن أعلنت النقابة مقتل 1580 معلماً على أيدي ميليشيات الحوثي خلال الفترة من 2015، وحتى 2020، منهم 81 من مديري المدارس والإداريين، و1499 قتيلاً من المعلمين، فيما قضى 14 من القتلى بسبب التعذيب في السجون الحوثية، في محافظات صنعاء والحديدة وحجة وصعدة.
كما تعرض 2642 معلماً لإصابات مختلفة بنيران الميليشيات، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة، إضافة إلى اختطاف وإخفاء 621 معلماً بشكل قسري، وفق النقابة.
مناهج طائفية
ومنذ انقلابها المشؤوم عملت المليشيات على إطالة مدة الحرب من خلال رفض كل الجهود الدولية والإقليمية الداعية للسلام، واستغلت ذلك في خدمة اجندتها المختلفة، ولعل أبرزها وأخطرها هي تجريف التعليم ، حيث عملت خلال السنوات الماضية على إحداث تغييرات كبيرة في المناهج التعليمية وغالبيتها تكرس أفكاراً طائفية، وركزت على الصفوف الأساسية الأولى في عملية ممنهجة تستهدف النشء بشكل خاص، بالإضافة إلى المراكز الصيفية التي تنفذها الميلشيات سنوياً.
وبدأت الميلشيات فرض عملية التغيير الواسعة منذ 2017، بعد تعيين شقيق زعيم الميلشيات يحيى بدر الدين الحوثي، وزيراً للتربية للقيام بتلك المهمة، ومنذ ذلك الحين تواصل المليشيات تحريف ما تبقى من مناهج التعليم؛ خصوصاً في مناهج المرحلتين الابتدائية والإعدادية، بما يخدم أفكارها وآيديولوجيتها المستوردة من إيران.
وكانت مصادر نقابية قد كشفت عن تواجد خبراء إيرانيون في وزارة التربية الخاضعة لسيطرة المليشيا الانقلابية بصنعاء؛ وذلك في إطار نقل ما أسموها بتجارب طهران في السياسة التربوية والمحتوى العلمي، حيث يعمل الإيرانيون كمستشارين لـ"يحي الحوثي"، الذي يدير القطاع التعليمي.
وحسب نقابة المعلمين اليمنيين فقد قامت مليشيا الحوثي بتأجير التعليم لإيران التي تكافح لاختراقه بغرض إعادة إنتاج جغرافيا البلدان المذهبية في المنطقة. حيث سمح الحوثي لإيران بالتدخل في التعليم والتغيير في مضامين الهوية الثقافية والبنية المعرفية اليمنية. مؤكدة أن هذا "شكل احتلالي خطير؛ لأنه ينطوي على تدمير لهوية الإنسان اليمني وتاريخه ووعيه الكامل.
تحذيرات
وينطلق الحوثيون في حربهم على التعليم من موروث إمامي قديم، فقد كان الائمة يحتقرون دور العلم وينفرون منها، حسب ما ذكره المؤرخ محمد علي الأكوع في كتابه "المدارس الاسلامية في اليمن" وذكر ان أول ما عمله الإمام يحيى عند دخوله صنعاء بعد انتصاره على العثمانيين أن هدم دار المعلمين التي بناها الأتراك لليمنيين، وقضى على كثيرٍ من المعالم الحضاريّةِ التي من شأنها أن تنير عقول الشّبابِ.
ومؤخرا حذر المركز اليمني للسياسات من أن التعديلات التي تجريها الميليشيات الحوثية على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتها تسهم في تطبيع العنف والصراع لدى الطلاب، حيث أخضعت الميليشيات الكتب المدرسية لتغييرات آيديولوجية وسياسية، تروِّج للنزاعات الصفرية التي يقف فيها طرفان؛ يمثل أحدهما الحق المطلق، والآخر الباطل المطلق.
وقالت الدراسة التي حملت عنوان «انتبه! قد يكون ابنك الشهيد التالي»، إن التغييرات التي أجرتها الميليشيات تشير إلى رؤية طويلة المدى تغيب عنها آفاق السلام، وربما تكون مدفوعة بالرغبة في الاستمرار في التشبث بالسلطة السياسية، وقد تكون لهذه التغييرات آثار بعيدة المدى على الأطفال، خاصة مع عدم تورع الميليشيات عن تجنيدهم.
استغلال المدراس
لم تقتصر انتهاكات المليشيات بحق التعليم على تحريف المناهج فحسب، بل عملت على استغلال المدراس للترويج لأفكارها الطائفية، ونشر ثقافة العنف، وتجنيد الأطفال، وتدريبهم على السلاح من اجل الدفع بهم إلى جبهات القتال .
وخلال السنوات الماضية، أقدمت المليشيات على إلغاء حصص دراسة خاصة بالرسم والحاسوب والالعاب في المدارس المخصصة للأطفال، واستبدلتها بحصص تكرس الطائفية والأفكار المتطرفة، كما وجهت بتخصيص حصص دراسية يومية لتعبئة الطالبات في كل المراحل الدراسية بالأفكار المتطرفة في استهداف مباشر لمعتقدات المجتمع وعمل قسري لتغييره بما يتفق مع الرؤية السلالية للميليشيات.
كما استغلت المليشيات المراكز الصيفية في مناطق سيطرتها وحولتها إلى معسكرات للتجنيد، ونشرت بين الاطفال الأفكار المتطرفة وشعارات الموت والعنف والكراهية، قبل الدفع بهم إلى الجبهات واتخاذهم وقودا لحروبها العبثية، وأكدت العديد من المنظمات أن آلاف الأطفال أجبروا على الانخراط في القتال، بعد استقطابهم من المدراس او من المراكز الصيفة التي تقيمها المليشيات.
وكان فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي، رصد بعض المدارس والمساجد التي يستخدمها الحوثيون لنشر عقيدتهم بين الأطفال، ترويج هذه المناشط لخطاب الكراهية والعنف، وأشار إلى استغلال الحوثيين المساعدات الإنسانية من خلال توفيرها أو منع الأسر من الحصول عليها على أساس مشاركة الأطفال في أنشطة الحوثي، لافتاً إلى مشاركة البعض خوفاً على حياتهم أو منع الحوثيين وصول المساعدة الإنسانية إليهم.
نهب الرواتب
بالإضافة إلى تحريف المناهج واستغلال المدارس للتجنيد، عمدت مليشيات الحوثي على تجويع المعلمين في مناطق سيطرتها من خلال نهب مرتباتهم بهدف تطفيشهم وإحلال عناصرها بديلا وإتاحة الفرصة لهم للقيام بمهمة تدمير التعلم وتجهيل المجتمع وقيادة الأطفال إلى معاركها العبثية.
خطوة المليشيات أجبرت المعلمين على ترك التعليم والبحث عن مصادر أخرى تمكنهم وأسرهم من العيش، ووفقا للتقارير التي صدرت بهذا الخصوص فإن أكثر من نصف المعلمين والعاملين في مجال التعليم تركوا مهنة التعليم واضطروا إلى إيجاد مصادر دخل أخرى بسبب نهب المليشيات لمرتابتهم.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) منتصف أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بأن التعليم المنتظم في اليمن يواجه عوائق إضافية، حيث لم يحصل 172 ألف مدرس على أجور منتظمة منذ عام 2016"، ووفقا لنقابة المعلمين اليمنيين فإن الإحصاءات الموثقة تشير إلى أن (%60) من إجمالي العاملين في القطاع التربوي البالغ عددهم290 ألف موظف لم يحصلوا على مرتباتهم بشكل منتظم منذ 6 سنوات.
فصل تعسفي
ونتيجة لتوقف الرواتب اضطر المعلمون على ترك مدارسهم والمناطق التي يقطنون فيها، ونزحوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ووفقا لتقارير نقابة المعلمين فإن عدد المعلمين الذين نزحوا إلى المناطق المحررة أو إلى خارج اليمن بلغ 20.142 معلماً.
ولجات المليشيات الانقلابية إلى معاقبة من تركوا مدارسهم بالفصل وإحلال بدلاء من عناصرها، حيث أكدت منظمة سام أن الميليشيات اتخذت قرارا تعسفيا قضى بفصل نحو 8 آلاف معلم من أماكن عملهم، دون أي مبرر قانوني.
ولفتت المنظمة إلى أن عملية الفصل تلك استهدفت المعلمين الذين هاجروا للبحث عن فرصة عمل بعد قطع رواتبهم، وإبدالهم بعناصر من الجنسين موالين للميليشيات، بهدف تغطية العجز القائم في المدارس، كخطوة أولى لتثبيتهم.