ربما تعد محافظة البيضاء من بين المحافظات اليمنية التي تعرضت للانتهاكات المستمرة من قبل ميلشيات الحوثي، التي اتخذت منها مسرحاً للقتال وشن هجمات على المحافظات المتعددة والمجاورة لها، في ظل غياب دور الإغاثة الإنسانية للسكان هناك الذين يعانون من جرائم مركبة.
وفي العام 2022 ورغم أنه شهد أطول هدنة منذ اندلاع الحرب، الا أن محافظة البيضاء شهدت سلسلة من الجرائم الحوثية وأبرزها محاصرة وقصف قرية "خبزة" من قبل ميلشيات الحوثي خلال نحو 10 أيام، إضافة إلى انتهاكات أخرى وتبرز الألغام وعمليات السطو ونهب المواطنين عن طريق الإتاوات الحوثية.
في مطلع العام وبالتزامن مع معارك القوات الحكومية المشتركة في محافظتي مأرب وشبوة، شهدت أطراف محافظة البيضاء المحاذية للمحافظتين، معارك بين قوات الجيش والمقاومة من جهة، وميلشيات الحوثي من جهة أخرى، ورغم أنها لم تحقق تقدم ميداني لكنها أبقت المعركة حية ضد الميلشيات.
يرصد موقع "الصحوة نت" في هذا التقرير أحداث محافظة البيضاء المنسية خلال العام المنصرم 2022، والتي تعد امتداد لثلاثية الحرب والنضال والمأساة اليمنية، منذ العام 2014 عندما بدأت الميلشيات حربها الشاملة على اليمنية، وكانت البيضاء المحاذية لثمان محافظات هدفاً بارزاً للحرب في بداياتها الأولى.
جريمة قرية خبزة
بالتزامن مع سريان الهدنة الأممية في اليمن في يوليو/ تموز 2022، أطلقت ميلشيات الحوثي حملة لحصار قرية "خبزة" إحدى مناطق قيفة بمديرية القرشية، وقصف المساكن بالمدفعية والطيران المُسير، واستمر الحصار للقرية أكثر من أسبوع، وبرر الحوثيين هجوم بالبحث عن مطلوبين أمنياً، وهو ما نفاه السكان.
وقتل خلال الحصار الحوثي نحو 13 مدنياً بينهم نساء وأطفال، ورصد تقرير حقوقي 152 انتهاكا حوثيا خلال تسعة أيام من الحصار الحوثي لقرية "خبزة"، ووثق مقتل وإصابة أكثر 18مدنياً 28حالة اختطاف وتفجير 16 منزلاً، وهدم نحو 27 منزلاً جزئيا، وتضرر 41 منزلاً بأضرار متفاوتة".
جرائم انتقامية
ووفق الشبكة اليمنية للحقوق والحريات "فقد شملت الانتهاكات عمليات نهب لمنازل القرية منها 8 محلات تجارية نهبت بالكامل، وأحرقت 4 آبار مياه، كما تم منع وصول العلاج والغذاء للسكان نتيجة للحصار" وذكر التقرير حينها: "ان الميلشيات استخدمت القوة بشكل مفرط حيث قصفت الأحياء السكنية بقذائف ثقيلة وصواريخ الكاتيوشا".
كانت تلك الجريمة التي شهدتها المحافظة دوافعها انتقامية ضد السكان والقبائل الذين قاتلوا ضد ميلشيات الحوثي خلال فترات متقطعة من المعارك في المحافظة قبل السيطرة عليها من قبل الميلشيات وتوقف المعارك، إلا ان تكريس الحوثيين لبشاعة جريمتهم أكد تماسك السكان في رفضهم.
لم تكن جريمة الحصار الحوثي ضد قرية "خبزة" هي الأولى ففي أواخر ٢٠١٤ وعقب سيطرة ميلشيات الحوثي على العاصمة صنعاء، اقتحمت مليشيات الحوثي قرية خبزة، وحولوها إلى ساحة للجريمة وخلفوا دماراً هائلاً، ورصدت تقارير حقوقية حينها مقتل ٤٣ مدنياً بينهم نساء وأطفال، وإعدام عدد من المدنيين بعد اختطافهم، وتدمير عشرات المنازل.
تنفذ ميلشيات الحوثي في البيضاء جرائم بشعة بحق السكان، لمجرد توقع أن قوات الجيش الوطني ربما يخوضون معركة جديدة في احدى المديريات لاستعادة السيطرة عليها، ويبرز ذلك في مديريتي ناطع والنعمان والتي شهدت حصاراً خانقاً منذ مطلع 2022 استمر أكثر من 5 أشهر، ومازالت آثاره مستمرة.
وفرضت مليشيا الحوثي حصاراً خانقاً على مديريتي ناصع والنعمان، وزرعت ألغام بشكل مكثف في الطرقات والمزارع ما أثر على حركة السكان وتنقلاتهم، كما قطعت شبكة الاتصالات والانترنت بهدف فرض عزلة عليهما وحولتهما إلى سجن كبير للأهالي، استهدفت المستشفيات والمدارس منها استهداف مستشفى مديرية "نعمان" بقذيفتين صاروخيتين أثناء اكتظاظه بالمرضى.
تفجير الجسور
كما عمدت المليشيات إلى تفجير الجسور والعبارات في عقبتي "القنذع" بمديرية "نعمان" و"مالح" بمديرية "ناطع"، وتلك الطرق هي المنفذ الوحيد للمديريتين باتجاه محافظة شبوة، كما زرعت تلك المناطق بالألغام، خشية تقدم الجيش في المعارك مطلع العام لتحرير مديريات في شبوة ومأرب.
وأوردت مصادر رسمية، في مديريتي نعمان وناطع، أن قرابة ٨٠٠ أسرة نزحت من المديريتين منذ انتقال المعارك إليهما مطلع عام 2022، وبعد سيطرة الحوثي على أغلب جغرافيا المديريتين، كما تدهورت خدمات التعليم والصحبة نتيجة استهدافها من قبل المليشيات الحوثية، وكل هذا في ظل غياب كلي للإغاثة والمساعدات الإنسانية للسكان.
وفي أغسطس/ آب فجّرت جماعة الحوثي للمرة الثانية خلال 2022 "عقبة الحلحل" وتعد طريقا رئيسا بين محافظتي أبين والبيضاء، حيث تربط بين مديريتي لودر في أبين ومكيراس بالبيضاء، وحدث ذلك بعد أسبوع من إعادة فتحها أمام المسافرين بوساطة محلية بعد سنة من اغلاقها من قبل ميلشيات الحوثي.
ألغام وعبوات
في أكتوبر، أعلن المرصد اليمني للألغام، مقتل طفلين بانفجار لغم في مديرية الزاهر، وهما الطفلين عـارف محمد الحميقاني، وصالح على الحميقاني، ووقع أن الانفجار أثناء رعي الطفلين للماشية، وفي أغسطس، قتل ثلاثة أطفال في منطقة "دحيدح" بذات المديرية، في مركبة مدنية أثناء مرورها في طريق فرعي.
ووثق مركز رصد للحقوق والتنمية خلال عام 2021 مقتل 28 مدنيا معظمهم أطفال ونساء نتيجة الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها ميليشيات الحوثي في المحافظة. في حين لا توجد إحصائيات كاملة عن عدد الضحايا في المحافظة خلال العام 2021 والتي تعد من المحافظات الأكثر تلوثاً بالألغام.
ووفق ذات التقرير الذي يعد أحد رصد سنوي للانتهاكات في البيضاء والذي صدر بعنوان "الحياة المنتهكة"، فقد بلغت الانتهاكات الإنسانية خلال 2021 أكثر 1531 حالة انتهاك بزيادة مضاعفة عن العام الذي سابقة، وهذا ما تم توثيقة من قبل المنظمة عبر فريقها الميداني فقط. وربما يكشف بشكل نسبي عن حجم الانتهاكات.
تعذيب حتى الموت
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني، أعلن عن وفاة "محمد عبد الرحمن الحميقاني"، بسجون ميلشيات الحوثي جراء عمليات تعذيب نفسية وجسدية تعرض لها خلال أربع سنوات من الاختطاف، والشاب الحميقاني من أبناء محافظة البيضاء، واتهمت اسرته الحوثيين بتصفيته داخل السجن.
ومن الصعب إحصاء جرائم الحوثيين في البيضاء، لكن ماتزال جريمتهم بإعدام خمسة من مشائخ قبيلة "آل عامر" في مديرية ذي ناعم شاهد حي على البشاعة الحوثية، حيث تم اعدامهم في ديسمبر/ كانون أول 2016، بطريقة غادرة ورمي جثثهم في منطقة نائية بعد أيام من اختطافهم من منازلهم في مركز المديرية، وأثارت تلك الجريمة موجة غضب واسعة.
ومنذ بدء ميلشيات الحوثي حملاتها في البيضاء، حاولت تشويه المحافظة باعتبارها معقل للتنظيمات الإرهابية وتحت هذا المبرر نفذت جرائم متتالية، غير أن حالة الانتقام المتواصلة كشفت تلك الاكذوبة، وفي مارس/ آذار 2022 أزالت لجنة الجزاءات بمجلس الأمن اسم محافظ البيضاء السابق، نايف صالح سالم القيسي، من قائمة المتهمين بدعم تنظيم القاعدة.
رحيل صادم للزميل "النقيب"
وفي 3 مايو/ أيار 2022 غيب الموت رئيس الدائرة الإعلامية بحزب الإصلاح في المحافظة البيضاء، مختار النقيب إثر ذبحة صدرية، وتوفي في شهر ذى الحجة، في العاصمة المؤقتة عدن وكان نازحاً من ميلشيات الحوثي مع أسرته.
نعت "مؤسسة الصحوة" الزميل "النقيب" بالقول "كانت الشجاعة والتضحية والنضال من أجل حقوق وحرية الناس، في مقدمة أولوياته ودفع بسببها ثمنا باهظا حتى آخر لحظة من حياته التي عاشها بعيدا عن مسقط رأسه ومحافظته مطاردا من قبل مليشيات الحوثي التي قامت بمصادرة منزله قبل شهر من وفاته".
وعمل "النقيب" مراسلاً لصحيفة الصحوة الأسبوعية وموقعها الإلكتروني بمحافظة البيضاء منذ عام ٢٠٠٠، في تجربة مليئة بالتميز المهني والاقتدار الصحفي من خلال خدمة الناس وقضاياهم بكل تفان وشجاعة. يعتبر من المشهود لهم في تطوير العمل الصحفي بمحافظته.
من جانبها وصفت الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح، النقيب بـ "المناضل الجسور"، ونعته بالقول "رحل وهو في أوج عطائه مناضلاً ومنافحاً عن القيم السامية التي حملها الإصلاح، باذلاً جهوداً كبيرة في المعركة الوطنية لاستعادة الدولة والحفاظ على الهوية، وكان وطنياً صلباً فإن ذلك يأتي متسقاً مع روحه النقية وصفاته النبيلة التي عُرف بها".