في كل دول العالم تعتبر الدول اثارها ثروة قومية انسانية ، وتعمل كل ما بوسعها للحفاظ عليها في أبهى صورة ، وهذا السلوك هو الوضع الطبيعي لكل الحكومات في العالم ، اما حين تسيطر المليشيات وتتحكم فإن ذلك يمثل نكبة لكل المكتسبات التي تحققت قبلها ، وهذا ما حصل ويحصل في اليمن منذ تمكن الحوثي من السيطرة على جزء من البلد فحول أثاره التي صمدت لعشرات القرون الى ساحة مفتوحة للنهب والسلب والتدمير ، وكانت النتيجة ان الآثار التي سلمت من التدمير أصبحت في حوزة مافيا تجارة الآثار العالمية وتتحول من معناها الرمزي التاريخي الى سلع تجارية تقام لأجلها المزادات ويمتلكها من يدفع أكثر .
منذ الإنقلاب الاسود في العام 2014 ركز الحوثي على محاولة فصل اليمنيين عن تاريخهم الذي لايعد الحوثي بفكره المستورد جزء منه ، ولذا استهدف الآثار بالتدمير فاغلق ونهب المتاحف وحول العديد من المواقع الأثرية إلى ملكية خاصة أو مواقع عسكرية لمليشياته كما فعل في زبيد مثلا التي نهب مكتبتها الأثرية ونفائس مخطوطاتها التي تزيد أعمار بعضها عن ألف سنة ، وحوّل قلعتها الأثرية الى موقع عسكري ومركزاً لنشر التشيّع وأفرد جزء كبير منها لاقامة محطة توليد كهرباء كمشروع استثماري يتبع أحد القيادات الحوثية .
الآثار السلبية للحوثي وحربه على البلد أرضاً وإنساناً امتدت لتشمل كل جوانب الحياة لليمنيين حاضرهم وماضيهم، وعلى رأس ذلك الآثار التي حافظت عليها الأجيال السابقة واعتبرتها جزء من الهوية اليمنية لكن الحوثي لايجد ذاته مرتبطاً بهذه الهوية ويعتبر أن ارتباطه فقط بمشروعه وفكره الطارئ على اليمن واليمنيين ، وتحولت الآثار في نظره من معانيها التاريخية والمعنوية الى سلعة مادية تدر عليه وعلى قياداته المال .
مارس الحوثيون نهب الآثار لغرض بيعها والتربح منها ، وأصبح من المعتاد أن تقوم القيادات الحوثية بالسطو على المواقع الأثرية والمتاحف والمكتبات التاريخية في أكثر من محافظة ، ثم لاحقاً ظهرت هذه القطع الأثرية المنهوبة في مزادات عالمية ، وهذا السلوك مرتبط بابجديات الفكر الحوثي الذي لايؤمن بأي من القيم ولا القوانين ولا الأخلاق ، ويعتبر البلاد وماتحوي ملكاً لسلالته فقط، ولذا لايتورع عن بيع كل ما تصل إليه ايديه العابثة من آثار أو مخطوطات مادامت تحقق لقيادته الإثراء المالي على حساب البلد وتاريخه ، مع أن الآثار تعد ثروة قومية ولايحق لجماعة او سلالة بعينها أو أي جهة مهما كانت سلطتها التصرف فيها بموجب القوانين المحلية والدولية.
إن ما يمارسه الحوثيون بحق آثارنا جريمة مكتملة الأركان يجب أن يتحرك لأجل وقفها الداخل والخارج ، وان تتوقف عمليات المتاجرة بالقطع الأثرية التاريخية وبيعها في المزادات العالمية ، كون هذه الآثار لا تخص بلد بعينه فقط لكن تخص الحضارة الانسانية بشكل عام ، ولابد من وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي لتجريم كل من ينهب او يدمر الآثار أو يتاجر بها سواءً على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي .
دمتم سالمين ..