يتساءل البعض لماذا أكتب عن الموت هذه الإيام، و ما الذي يجري ويطلب مني آخر التوقف عن هذا النوع من الكتابة من باب الحب والحرص والبعد عن التشاؤم طبعا.
والحقيقة أنني أحب أن أكتب عن المطر والطفولة وخضرة الأرض وعن الحياة والموت وحنين الرعد.
هذه مفردات اتناولها بشغف كلما صادفت سببا لها أو أحدها مثل نزول المطر أو لمعان برق أو اخضرار الروابي أو ذكرى الطفولة أو قابلت إشارة أو رعد من رعود الموت وبروقه سواء في شخصي أو أقربائي أو عند آخرين وكل هذا في سياق واحد ومتكامل للحياة.
تقول لي فهمنا كل هذا لكن ما دخل الموت محشورا بين هذه المفردات الجميلة التي تنضح بالبهجة والحياة؟!
أعتقد أن الحديث عن الموت يتسق تماما مع هذه المفردات بل هو أهمها على الإطلاق فهو الحقيقة البارزة واليقين ومن لا يعرف كنه الموت لا يعرف الحياة ومن لا يحاول تسلق سور الموت عبر روافع روحية ليرى و يقترب من حقيقة الموت فلن يعرف الحياة كما ينبغي وسيعيش قلقا ينقصه اليقين وبطاقة ضعيفة ومهزوزة وقوة مرتعشة يسيطر عليه القلق والخوف من الناس ومن نفسه ومن الظروف ومن هوام الأرض وطواغيته يخاف من هزة ريح ويفتجع من ظله.
يقول خبراء البحار عندما تهب العواصف فإن الأمان هو الإبحار إلى العمق وليس الهروب إلى الساحل حيث تلتهم الأعاصير السفن ويكون الغرق الحتمي.
الموت هو الوجه الآخر للحياة وهو العمق الذي يجب الإبحار فيه والتعامل معه كمفردة طبيعية للحياة الممتدة إلى ما وراء النجوم وخلف الشمس وذلك لكسب الأمان وحتى تتصرف في الحياة بحب لا يعكره كراهية وتسامح لا يعرف الأحقاد وسعادة لا تعرف القلق والإضطراب قريبا من لطافة الروح بعيدا عن كثافة الطين.
عليك يا صاحبي الإقتراب من حقيقة الموت و فلسفته بقاعدة إيمانية تتجاوز الخوف الذي يحولك إلى مخلوق مذعور ومرتعش.
وعلى الإنسان أن يعيش في هذه الحياة كما ينبغي قويا مرفوع الهامة مبتسما برضى يغالب الحزن مهما كانت الظروف وكما قال أحدهم( جنتي في قلبي وقلبي لا يملكه الا ربي)
فيعيش حياته بطموح متجدد وبدون ذعر قويا صانعا للمعروف منتجا للحياة دون يأس أو خوف أو إحباط.
وأعتقد أن أفضل ما يعبر عن هذه المرتبة الإيجابية في صناعة الحياة وعمران الأرض متغلبا على عوامل الضعف متجاوزا كل التحديات والموانع والمواجع هو قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (اذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) هذا القول الجامع أمام موت الكون لا يحتاج إلى بيان أو شرح فقط يحتاج إلى وقفة تدبر وتأمل لنرى بعض أسرار وومضات ووظيفة الموت وعلاقته بالحياة فالبيان هنا أظنه يشوش المعنى .
هذه دوافع السطور ورسالة ما بين السطور عن الموت والحياة وقوانين الزوال والخلود.