قال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي "إن زراعة الألغام الفردية تعد جريمة حرب، وأن جماعة الحوثي تستخدم أسلحة محظورة ومحرمة بموجة اتفاقية أوتاوا".
وأضاف في حوار مع "الصحوة نت"، "أن تلك الجرائم قد تدفع الى تحريك دعاوي جنائية أمام المؤسسات العدلية الدولية في حال توفرت شروط رفع الدعوى الدبلوماسي والإجرائي"، لافتا "أن المنظمات الدولية حملت جماعة الحوثي المسؤولية الأولى عن زراعة الألغام".
وحول أوامر الاعدام الحوثية الأخيرة ضد أبناء صعدة قال الحميدي "إن هذه الأوامر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد أصدر الحوثيون أكثر من ٤٠٠ حكم (أمر) ضد مدنيين بالإعدام ومصادرة ممتلكاتهم خلال السنوات الماضية".
وتابع: "حجم المخالفات التي ارتكبت مخيف، ولا يمكن الوثوق بكل التشكيلات تحت مسمى القضاء، فهي كتيبة من كتائب المعركة الحوثية بلباس قضائي ليس الا".
نص الحوار:
كمنظمة حقوقية كيف تفسرون كثرة ضحايا الألغام سيما في الفترة الأخيرة؟
- ضحايا الألغام في اليمن ليس موضوع حديث، وإنما له امتداد مرتبط بالصراع السياسي في اليمن، منذ ما يسمى حرب المناطق الوسطي، حيث مازالت الالغام تصيب بعض المواطنين في بعض المناطق وعلى ضوء ذلك وقعت اليمن اتفاقية اتاوا لمكافحة الالغام الفردية، والتي من المفترض ان تتخلص اليمن من مخزون الالغام الفردية لديها.
ولكن يبدو أنه وخلال الفترات الماضية (ماقبل الانقلاب الحوثي) تم رفع تقارير مظللة بشأن تخلص اليمن من الألغام الفردية، حتى سقطت العاصمة صنعاء، واستغلت جماعة الحوثي المخزون الذي كان لدى الجيش الحكومي، اضافة الى تصنيع وتطوير صناعة الالغام محليا، وزرعها على نطاق واسع في جبهات المعارك خاصة تعز والحديدة والجوف والضالع ولحج، كإجراء دفاعي وانتقامي، دون خرائط او ارشادات للمواطنين، مما جعل العديد من المدنيين ضحايا هذه الألغام لعدم توقف الحرب في بعض الجبهات، وعودة الناس الى منازلهم، والبدء بممارسة حياتهم العادية، دون اي حماية لهم، نتيجة لعدم علمهم بالخرائط او تحديد الأماكن الخطرة، خاصة وأن مناطق التماس بين قوات العمالقة، والحوثيين في الحديدة كانت حتى وقت قريب مناطق اشتباكات مستمرة.
هل لديكم كمنظمة حقوقية احصائية بعدد ضحايا الألغام؟
- يوجد احصائيات ولكن ليست شاملة، لأن الرصد بحاجة لجهد كبير، وامكانيات ضخمة، ونحن قد اصدرنا العديد من البيانات التي تتضمن العديد من الأرقام والانتهاكات، خاصة في الايام العالمية لمناهضة جرائم الالغام، وأعتقد الجهات المهتمة بنزع الالغام، لديها رصد أقرب الى الواقع.
من الناحية القانونية.. كيف ينظر القانون الدولي الانساني إلى هذه الجريمة؟
- جريمة الالغام الفردية جريمة حرب، لانتهاكها اتفاقيات اتاوا، وتشكيلها ضرر جسيم بالسكان، حيث تعمد جماعة الحوثي على استخدام اسلحة محضورة ومحرمة بموجب اتفاقية دولية وهي اتفاقية اوتاوا، وقد تدفع الى تحريك دعاوي جنائية امام المؤسسات العدلية الدولية في حال توفرت شروط رفع الدعوى الدبلوماسي والإجرائي، ومنها توقيع اليمن على اتفاقية روما، او تحريك الدعوى من دولة موقعة على اتفاقية روما.
تتلقى مليشيا الحوثي الدعم من قبل مشروع نزع الألغام في الأمم المتحدة كيف تفسرون هذا التصرف من الأمم قبل الأمم المتحدة؟
-اعتقد أن تقارير المنظمات الدولية ولجان فرق التحقيق واضح بتحميل جماعة الحوثي المسؤولية الأولى عن جرائم الالغام في اليمن، منها منظمة هيومن رايتس وواتش التي اصدرت تقريرا في ٢٠١٧ بعنوان قوات الحوثي وصالح تستخدم ألغاما أرضية، وطالبت بعدم التسامح مع هذه الجرائم بحق اليمنيين، وكذلك اصدرت تقريرا في ٢٠١٥ و٢٠١٩ بشأن معاناة ابناء الساحل، واكدت على ذلك منظمة العفو الدولية في عام ٢٠١٩ ان الغام الحوثيين تقتل اليمنيين.
اضافة الى تقارير فريق الخبراء البارزين وفريق التحقيق التابع لمجلس الأمن، ومع كل هذه الشواهد أصرت الأمم المتحدة على السير بنهج مخالف لدورها في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، ولا يعد حتى من الدبلوماسية الأممية في ظل انكشاف مريع للجريمة المستمرة يوميا بحق اليمنيين دون اي توقف، ولا يمكن القول الا أن هذا تصرف غير مسؤول في ظل عدم توضيح الأمم المتحدة هذا السلوك للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
ما هو الأثر السلبي لتقديم هذا الدعم؟
-اولا يؤثر على الثقة بالأمم المتحدة كجهة محايدة، وحريصة على وقف الانتهاكات، وتعزيز قيم السلام والديمقراطية، وهذا سيؤثر على عمل الأمم المتحدة وتعاطي الاطراف معها، كما يجعل الاطراف المنتهكة لحقوق الانسان تتمادي أكثر في ارتكاب العديد من الانتهاكات دون رادع او خشية من عقاب، وهذا امر لا تفضله الامم المتحدة ولا مؤسساتها التي تقوم فلسفتها اساسا على تعزيز السلام ووقف الانتهاكات وتطبيق مبدأ العقاب ضد مرتكبي جرائم حقوق الانسان.
ما هو دور المنظمات في هذا الجانب وما هي الحلول؟
- المنظمات الحقوقية هي منظمات غير حكومية ذات طابع مدني، تقوم على احداث توازن لصالح قيم الكرامة الإنسانية، وبالتالي ينحصر دورها في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، وتنمية الوعي الحقوقي لدى المجتمعات والمؤسسات لإنفاذ القانون، وكشف الانتهاكات للعالم والتشبيك مع المنظمات المحلية والدولية للحد من هذه الانتهاكات، ووضع مرتكبي هذه الجرائم تحت المساءلة الجنائية.
وفي قضية الالغام الامر يتوقف على دور فاعل للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، في الضغط على جماعة الحوثي وتجفيف منابع هذه الالغام وملاحقة المشاركين فيها، اضافة الى وضع برنامج عملي وطني دولي للتخلص من الالغام، بعد اجبار جماعة الحوثي على تسليم الخرائط، الامر معقد، وبوابته تتمثل في وقف الحرب بدون الاستقرار ستستمر هذه الكارثة المصاحبة للحرب للأسف الشديد.
ننتقل إلى محور آخر، حكمت محكمة حوثية بإعدام 16 مواطناً مختطفاً لديها من ابناء صعدة ماهو تعليقكم على هذا الحكم؟
- هذا الأمر ليس جديدا، ولن يكون الأخير، فهناك اكثر من ٤٠٠ مدني حكم عليهم القضاء الحوثي بالإعدام ومصادرة ممتلكاتهم، فالأحكام اصبحت تثير الكثير من القلق بعد اعدام التسعة من ابناء الحديدة في محاكمة منعدمة شابها العديد من المخالفات الجسيمة، سواء الاجرائية أو الموضوعية قبل المزعوم المحاكمة او بعدها، وهي رسالة من قبل الجماعة باستمرار القضاء في توفير غطاء شكلي لتهديد المخالفين وانتزاع ممتلكاتهم وارواحهم احياناً، وهي ايضا للخصوم الذين يرون انفراج قريب بعودة املاكهم وانتهاء هذا الوضع من خلال اتفاق او مصالحة فالجماعة لها اهدافها المستمرة في تحقيقها.
ما مدى قانونية هذه المحاكمات؟
- ما بني على باطل فهو باطل، وهي والعدم سواء.
سبق وان قامت مليشيا الحوثي بإصدار أوامر قتل بحق ابناء تهامة وقامت بإعدامهم برأيك هل السكوت عن جرائم الاعدام السابقة شجع المليشيات؟
- هذا يعد قتل خارج القانون، ويجب محاسبة مرتكبيه مستقبلا، فحجم المخالفات التي ارتكبت مخيف، ولا يمكن الوثوق بكل التشكيلات تحت مسمى القضاء، فهي كتيبة من كتائب المعركة الحوثية بلباس قضائي ليس الا.
هل بالإمكان رفع دعوى قضائية امام محكمة الجنايات الدولية حول هذه الجريمة وغيرها؟
- حاليا ليس ممكناً لأسباب إجرائية وتقنية اهمها ان اليمن ليست عضوا في ميثاق روما، لم توقع عليه، وليس هناك دولة موقعة على ميثاق روما ابدت نيتها على تحريك دعوى بشأن اليمن، كما ان احالة الملف عبر مجلس الأمن له حسابات سياسية حساسة.
ما الدور الذي ممكن أن تقوم به منظمات حقوق الانسان إزاء هذه الجرائم؟
- تقف المنظمات في صف الضحايا، وتعمل على رصدها وتوثيقها وايصالها الى المنظمات والاعلام لكشفها وادانتها، وتوعية الرأي العام بخطرها، ما احدثته المنظمات الحقوقية أمر لا يستهان به رغم ضعف الامكانيات والتحديات.
سبقت المنظمات المحلية العديد من المنظمات الدولية والاممية وكسبت احترام المجتمع الدولي، مما ساهم في الحد من كثير من هذه الانتهاكات، وتحويل الملف اليمني الى ملف حي بعد ان كانت توصف بالحرب المنسية، اليوم الاعلام الدولي من امريكا حتى اليابان أصبح يتحدث عن هذه الجرائم وخطورتها وحجمها ويستقي العديد من معلوماته وبياناته من المنظمات العاملة في الميدان.
هل ممكن أن نجد حداً لتوقف هذه الانتهاكات؟
- المسألة لن تتم الا بحسم طرف الحرب وبالتالي تنصيب المحاكم للطرف المنهزم كما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية، او من خلال تحرك المجتمع الدولي نحو القضاء الدولي وهذا يتطلب العديد من الشروط الإجرائية والسياسة، لا يمكن فصل العدالة هنا عن السياسة.
الاجماع في مجلس الامن قرار سياسي يتطلب تنسيق وضمانات بين الدول، او التحرك المستقل امام القضاء الشامل امام محاكم الدول التي يمنح دستوريها ولاية قضائية لمحاكمها في نظر قضايا حقوق الانسان، مثل فرنسا والمانيا وهذا يقتضي جهد وعمل وإلمام كبير لتحقيقه.
ماهي التحديات التي تواجه العمل الحقوقي؟
- الكثير من التحديات الامنية واللوجستية والتقنية خاصة بعض الجرائم التي تكون بحاجة لخبراء تقنيين، أضافة الى ذلك ان العمل الحقوقي بالمجمل يعاني ثلاث اشكاليات كبيرة على رأسها المؤسسية حيث ان الكثير من المنظمات فرضتها الحرب ولا يوجد تراكم ثقافي ومؤسسي في العمل والمنهجية والثقافة مقابل منظمات أصبح لديها قرن من الزمان وكسبت مصداقية كبيرة ولديها خط واضح في عملها.
الشيء الآخر الخبراء وهذا مرتبط بالأول لغياب او قصر التجربة وعدم وجود خط تراكمي سواء تدويني او تكويني دفع الكثير من العاملين في الميدان الحقوقي الى الانقطاع، والانشغال بأعمال أخرى لأجل مواجهة تكاليف الحياة، وهذا حرم اليمن والحقل الحقوقي من تكوين خبراء حقوقيين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ولا يمنع ذلك من القول بوجود بعض الخبراء، لكنهم قليل قياساً على حجم العمل نسبة الاحتياج في هذا الجانب.
أيضا توجد هناك اشكالية وهي غياب التنوع التخصصي هناك تداخل التخصص في العمل الحقوقي، وغياب الكثير من الحقوق التخصصية كالدراسات الحقوقية او حتى التخصص في الحقل الواحد، المرأة والطفل، والالغام مثلاً، والرصد يتركز حول القتل والاصابة والاعتقال بينما يغيب العمل الحقوقي في جانب الاثار الاجتماعية والنفسية لانتهاكات حقوق الانسان، وهناك للأسف العديد من المنظمات تتكيف مع المانح دون احترام كبير للميدان.
