في 30 نوفمبر قبل 55 عاماً، أعاد اليمنيون كتابة التاريخ بطرد آخر جندي للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إيذانا بأفولها للأبد من بلادنا وجزيرة العرب، ومعها الرجعية التي تقهقرت جحافلها من على أسوار صنعاء، لتعاود مؤخرا احتلالها، معتقدة أن كسرى فارس المعمم سيعصمها من طوفان الشعب ويحميها من المصير المحتوم في "مقبرة الغزاة" ومزبلة التاريخ.
معركة مستمرة ضد إيران
هذا ما خلص إليه أحفاد وأبناء سبتمبر وأكتوبر، وهم يحيون ذكرى الجلاء وعيد الاستقلال الوطني المجيد، الذي يعود والشعب يخوض معركته للعام الثامن ضد المحتل الفارسي المتجلبب بالحوثية وعباءتي الدين والسيادة المفرط فيهما مسبقاً لصالح مشاريع الموت والتخريب والإرهاب.
بداية الاحتفال جاءت -كما هي العادة- من مدينة تعز التي انطلقت منها العمليات الفدائية ضد الاحتلال البريطاني في وقت مبكر، حيث أطلقت الألعاب النارية بكثافة من قلعة القاهرة ابتهاجا بالذكرى الـ55 لعيد الاستقلال الوطني الثلاثون من نوفمبر المجيد.
وفي الشرق، أحيت محافظة حضرموت عيد الجلاء بحفل خطابي وفني، شارك فيه ممثلو القوى السياسية والوطنية والاجتماعية في المحافظة، وحضرته قيادات حزبية وعسكرية.
أعظم الانتصارات
وشهد الاحتفال الذي رعاه رئيس مجلس القيادة، فقرات غنائية متنوعة، ورقصات شعبية من الموروث الوطني والحضرمي، ليؤكد المحافظ مبخوت بن ماضي في كلمته أن "ذلك اليوم الذي سطرت فيه القوى الوطنية اليمنية أعظم الانتصارات بعد كفاح مرير دام 4 أعوام، خاضت فيها الجبهة القومية والقوى التحررية النضالية الأخرى أقوى وأعتى المعارك ضد المستعمر البريطاني".
كما شهدت عدن ومأرب ومدن أخرى جنوبا وشمالا احتفالات متنوعة، أغلبها ذات طابع شعبية ووطني بالعيد الوطني الخامس والخمسون للاستقلال، وبعضها غرقت بالطابع السياسي والغير يمني. وكانت المناطق الوسطى حاضرة بقوة في المناسبة وذلك بالعرض العسكري الذي نظمته قوات الأمن الخاصة في أحور ابين، ابتهاجا بحلول الـ 30 من نوفمبر المجيد الذي تطهرت فيه الأرض اليمنية من دنس آخر المستعمرين الذين رحلوا مكرهين تحت رحمة قوة وشجاعة الشعب وتضحيات أبطاله الميامين.
وفي العالم الافتراضي، كان الاحتفال بنكهة أكثر وضوحا وانتشاراً، حيث تصدرت هشتاجات متقاربة الترند العربي في مواقع التواصل الاجتماعي لليوم الثاني على التوالي كـ" هشتاج #عيدالجلاء_30نوفمبر، الذي غرد تحته الآلاف من المدونون والنشطاء وقادة الفكر والإعلام والسياسة استجابة للدعوة التي أطلقتها الحملة الوطنية للاحتفال بالمناسبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
تتويجا لنضالات عظيمة
وبالمناسبة، هنأ رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي جماهير الشعب بـ"عيد الاستقلال الثلاثين من نوفمبر الذي مثل تتويجا لنضالات عظيمة على امتداد وطننا الكبير"، مجددا "العهد مع أبطال القوات المسلحة والأمن لذلك الرعيل الفارق من القادة الملهمين، إننا على درب الحرية والعدالة، والشراكة والجمهورية ماضون".
وقال عضو المجلس الدكتور عبدالله العليمي باوزير، إننا "نتذكر اليوم بفخر وإجلال عظمة التضحيات التي بذلها ابناء الجنوب في مقارعة الاستعمار"، موضحا أن "#30_نوفمبر يذكرنا ان الشعب اليمني عصي على التطويع وان الحرية ومقاومة الاستبداد مبادئ رئيسية في تركيبة الشخصية اليمنية. يذكرنا أن النصر هو الحصيلة الطبيعية لكل اصحاب الحق الذين يضحون في سبيله".
وغرد عضو مجلس القيادة طارق صالح قائلاً إنه "في ٣٠ نوفمبر أشرقت شمس الحرية على الجنوب وقامت دولة وطنية قومية أنجزت مهاما جسورة للحركة الوطنية"، مضيفاً "في ذكراها اليوم يتأكد دور عدن والجنوب من جديد، في سياق معركتنا لتحرير العاصمة صنعاء من سطوة ذراع إيران واستعادة اليمن حرا مستقلا مسالما لمواطنيه وإخوانه وجيرانه".
استلهام الكفاح
وقال رئيس الحكومة الدكتور معين عبدالملك، إننا "نستلهم من ذكرى تحقيق الاستقلال المجيد 30نوفمبر1967م، معاني الكفاح والنضال المتقدة في شعبنا العظيم ماضياً وحاضراً"، مؤكدا أن "الشعب لا يقبل غير الحرية والكرامة؛ ومثلما كانت عدن منطلق الاستقلال، يتكرر الدور في معركتنا ضد مشروع إيران حتى تحرير صنعاء وكل شبر بالوطن من سيطرة الكهنوت".
وأشار رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز إلى أن "الثلاثين من نوفمبر مثل، تتويجا لسنوات من النضال والتضحية والفداء والمقاومة وسجلا طويل من الرفض الشعبي للاحتلال انتهى بثورة مسلحة انتصر فيها الحق على الباطل رغم فارق القوة والإمكانيات والعدة والعتاد".
وكتب نائب رئيس الجمهورية السابق الفريق الركن علي محسن الأحمر على حسابه بتويتر قائلا "إن الـ30 من نوفمبر 67م، من الأيام الخالدة في وجدان شعبنا العظيم؛ إذ حقق فيه أول أهداف ثورته سبتمبر وأكتوبر "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات".
وغرد عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الحقوق والحريات في البرلمان العربي الشيخ "علوي الباشا بن زبع" تحت هشتاج "#عيدالجلاء_30نوفمبر في مثل هذا اليوم اخذت بريطانيا العظمى عصاها ورحلت من عدن والجنوب الحبيب".
تعاضد الإمامة والاستعمار
وأشار الإعلامي محمد الضبياني إلى محاولة "عصابات الإمامة تكرار ارتهانها لقوى الإجرام الخارجي في إيران على حساب اليمن وأبنائه، فقد أشعلت المليشيا الحوثية، حربها على اليمن من خلال الانقلاب المشؤوم الذي صنعته أياد إيرانية في قم وطهران وضاحية بيروت الجنوبية".
ولفت الصحفي فؤاد مسعد إلى "جريمتا الإمامة والاستعمار في شكل اتفاقات ومعاهدات أبرمها يحيى حميد الدين حاكم صنعاء، مع سلطات بريطانيا المحتلة في جنوب اليمن"، مؤكدا تعاضد الإمامة والاستعمار "زاد في طول بقاء الأرض اليمنية ممزقة لتحقيق المصالح الأجنبية وتعزيز الاستبداد والكهنوت والظلم الإمامي".
واستشهد خالد العلواني، بـ"التاريخ ومعطيات الأحداث التي أكدت أنه لا مكان للمستعمر في اليمن حين ينفجر مارد الثورة في وجهه مهما كان بطشه وجبروته، وهي حقيقة تاريخيه تجسدت في الثلاثين من نوفمبر سبعة وستين، بعد مسيرة كفاح مفعم بالطولة والتضحية والفداء".
بطولات خالدة
وأكد يحيى السقير أن التاريخ سجل "بطولات الشعب اليمني الحر الابي في إنجازه للاستقلال من المستعمر وسيسجل اليوم انتصاراته المتلاحقة لتظهير اليمن من يد المشروع الإيراني".
وقال عبد الشافي النهباني، إنه في ذكرى عيد الجلاء "اخرج الشعب اليمني الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس من جنوب اليمن، وكما خلد التاريخ هذا اليوم بأحرف من ذهب، سيخلد التاريخ يوما ما خروج المحتل الجديد من اليمن".
وأشار محمد الفقيه إلى "129 عاماً من الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن .. لم يُسلّم الشرفاء من أبناء الوطن لاحتلالهم البغيض يوما واحدا، بل تواصوا بالمقاومة له جيلا بعد الجيل. ،، سيرحل الدخلاء مهما طال الزمن، وسيبقى الوطن".
وكتب سعيد الجعفري "في ذكرى الاستقلال 30 يقف اليمنيون بالكثير من الاعتزاز اجلال للثورة التي هزمت اعظم امبراطورية لا تغيب عنها الشمس وستكون قادرة على هزيمة ميليشيات جاءت في لحظة غفلة من الزمن وخلف مجلس القيادة الرئاسي سوف تستعيد الجمهورية كل مناطق اليمن ليعود اليمن سعيداً".
مدرسة نضال
وأكد عبدالكريم إن من اسماهم بـ"المرتزقة لا يعرفون شيء عن معنى التحرر والاستقلال، كما هو حال الامامية لا تعرف شيء عن معنى الحرية والجمهورية. والعملاء لا يعرفون معنى وطن لكنهم محكومين بشياطين قلبت الامور وبدلت المفاهيم لتصبح: العمالة والتبعية استقلال، والرق والكهنوت جمهورية، والخيانة وطنيه".
وقالت رئيسة مبادرة ترابط "أمة الرحمن العفوري"، إن "30 نوفمبر مدرسة نضال يمنية عظيمة، تستدعي من كل المعنيين في الدولة اليوم، ومن كل قادات النخب، وكل المؤثرين، أن يغرسوا قيم نوفمبر السامية، وبطولات مناضليها الكبيرة في الأجيال اليمنية، لبناء يمن موحد، بلا ظلم ولا استبداد، ولا عنصرية، ولا طائفية، ولا مناطقية ولا أحقاد".
وأكد خليل التويتي أنه لا خوف على الأرض اليمنية من الاحتلال "خوفي على احتلال عقولنا لأن أرضنا إذا سقطت استعادتها العقول الحرة أما إذا مُسخت وسقطت العقول سقطت الأرض وكل شيء ولا أمل في استعادة الأرض إلا بعد تحرير العقول وسيحتاج ذلك لشيء أشبه بمعجزة".
محاولات طمس الهوية
وذهب الكثير من النشطاء للتأكيد على ذلك، مشيرين إلى محاولات طمس الهوية وتغييب الحقائق وتشوية هكذا مناسبات وطنية تجسدت فيها إرادة ووحدة الشعب ونضاله معا ضد الاحتلال والإمامة، لصالح مشاريع صغيرة، وخارجية، كالمشروع الفارسي الطائفي الذي يحاول الحوثيون فرضه بالقوة عبر تغيير المناهج وإلزام الموظفين بأداء فروض الولاء والطاعة للسلالة الحوثية والزعم بأنها من مقاصد الدين وشرط للوطنية، محذرين من خطورة ذلك على المكاسب المحققة في ثورات سبتمبر وأكتوبر وأهدافها التي بدأت تؤتي ثمارها برحيل الاستعمار.
وعن هذا أشار سامي الكاف إلى مرور الوقت وازدياد المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، مشددا على ضرورة توحيد مواقفهم والعمل من أجل تجاوز الصعاب وتوجيه الطاقات لتحقيق وفرض السلام وعدم العودة للصراعات البينية في صفوف قوى الثورة والجمهورية.
وأكد وكيل وزارة الإعلام محمد قيزان على ضرورة استحضار "استقلال جنوب اليمن في الـ30 من نوفمبر 1967م من الاحتلال البريطاني لتأكيد على استعصاء اليمن أرضا وإنسان على الاحتلال مهما كانت قواه المادية والعسكرية".
مقبرة الغزاة
واستحضر المدونون في تغريداتهم وكتباتهم، مواقف ومقارنات عدة بين وقاع اليوم في ظل انقلاب المليشيا المدعومة من إيران وما كانت عليه اليمن في زمن الإمامة والكهنوت والاستعمار، مؤكدين أن الشعب الذي هزم الرجعية والاستعمار قادر بعون الله على هزيمة المستعمرين الجدد مهما كانت شعاراتهم ومظاهرهم، ومهما حاول وكلاءها فرضها بالسلاح والحديد والنار.
وأكد المدونون أن اليمن لها من أسمها نصيب ولم توصف عبثاً بأنها مقبرة الغزاة، والمارد الجبار، فالتاريخ يشهد ورمال صحاري مأرب التي دفنت فيها جماجم فَيالِقُ الرومان وشواطئ عدن وحضرموت والحديدة وتعز حبلى بجماجم جيش الفرس والأحباش والإنجليز والاسبان.
وكانت الأغاني الوطنية حاضرة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مقاطع فيديو تاريخية تعود لحقبة الاستقلال، وولم تخلوا التغريدات والتدوينات من مقارنة بين حقبة الاستعمار البريطاني جنوب البلاد، والملكية الرجعية الإمامية الكهنوتية شمال البلاد، وذلك عبر تصميمات وصور، تؤكد في مجملها أن اليمن ثارت ضد الإمامة والاستعمار معاً فكلاهما كانا جحيماً وناراً على اليمنيين، وأن في نوفمبر المجيد، عظة وعبرة ونهاية حتمية لكل المتاجرين بأحلام الشعب وأمن واستقلال واستقرار ووحدة اليمن.