في ذكرى الاستقلال

في ذكرى الاستقلال

 الثلاثون من نوفمبر 1967م. تاج لنضال شعب، و كفاح وطن.

لم يأت الاستقلال هبة بريطانية، فما كانت بريطانيا لتهب الاستقلال لشعب مِنّة أو هبة ، إلا أن يكون استقلالا صوريا ، تضع فيه الكيزان على الواجهة، فيما تبقى تتكحم من وراء الكواليس؛ فحينىذ لا يقال استقلال، وإنما هو إعادة تشكيل صورة الاستعمار..!!

 

   الثلاثون من نوفمبر 67م. ثمرة ملاحم بطولية سطرتها بسالة الفداء  والتضحية، ومحطات من النضال والكفاح،  فلولا 14 من أكتوبر لما كان 30 من نوفمبر ، ولولا 26 من سبتمبر لما كان 14 أكتوبر ، ولولا ثورة 48 لما كانت 26 سبتمبر .. هكذا نضالات الشعوب عمل كفاحي متراكم، وجهد وجهاد ونضالات مستمرة :

 

      لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى

     فما  انقادت  الآمال  إلا  لصابر

 

    و اليوم تطل علينا الذكرى الخامسة والخمسون ليوم الاستقلال المجيد ، إنه يوم تم فيه خروج  آخر  جندي بريطاني من عدن عام 1967.

 

   خرج المستعمر البريطاني بعد احتلال دام 129 سنة، فهل خرج طائعا مختارا ؟ وهل خرج بحوار ومفاوضات ؟

كلا، وألف كلا، وإنما خرج بكفاح مسلح، وجهاد  كبير ، وتضحيات جسام ؛ تضحيات تستثقلها المذلة والخنوع ، ويبذلها الأحرار وأباة الضيم، و لعَمري ما قطفت ثمار بلا عَرَق ، و لا أُدركت حرية بلا فداء .

   ويوم الاستقلال ؛ مثله في ذلك مثل تحطيم طاغوت الإمامة الذي حطمه الشعب اليمني يوم ال 26 من شهر سبتمبر 1962، وهي الثورة التي مثلت حجر الزاوية لأكتوبر ونوفمبر.

 

   إن تلازم الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر - سببا و نتيجة - هي من صنعت - بإذن الله - يوم الاستقلال، و ما تلاها من محطات .

 

   تطل علينا هذه الذكرى ، فتأتي لتخبرنا أن تحقيق الأهداف يصنعها رجال أوفياء، وشعب أبي يرفض الضيم ويقاوم الظلم والاستبداد و الاستعمار، وهو ما سار عليه الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني الغاشم، بعزيمة وإصرار وفداء، و لم يكن غريبا أن شعار الكفاح المسلح ضد الاستعمار ، كان قوله تعالى : (  من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ).

 

    لقد استمر الكفاح أربع سنوات ضد أعتى نظام استعماري عرفه العالم، فقد كانت بريطانيا الدولة التي لا تغيب عنها الشمس؛ وذلك لكثرة مستعمراتها، في كل أنحاء العالم، فتلاشت من على سطح الكرة الأرضية لتعود إلى وضعها وحجمها الطبيعي؛ جزيرة في زاوية من العالم.

   لقد أتت عليها ثورة الشعوب من أطرافها، وهكذا هو مصير كل طاغية متغطرس جبار، يأتي عليه كفاح الشعب مهما قصُر الزمن أو طال !

 

   خرج الاستعمار البريطاني من عدن، و من الجنوب كافة، لكنه لم يخرج تكرما منه، أو طواعية من لدنه، و لكنه خرج بمقاومة و كفاح، و فدائية و دماء :

 

        تريدين إدراك المعالي رخيصة

        و لا بد دون الشهد من إبر النحل

 

   إن سمو الغايات تُبذل لها كل وسائل التضحيات، و هيهات أن يدرك الغايات، أو يحقق الأهدف من نام عن حق، أو تخلى عن واجب.

 

    نعم، إن السلام هو الأصل،  و لكن هل خرج الاستعمار الإيطالي من ليبيا بحوار ؟ كلا . و هل خرج الاستعمار الفرنسي من الجزائر بمفاوضات ؟ لقد استشهد في يوم واحد، و بمظاهرة واحدة خرج فيها الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي ثلاثون ألف شهيد .. أكرر ثلاثون ألف شهيد،  حتى لا يظن أحد أن هناك خطأ في الرقم.

 

      لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

      حتى يراق على جوانبه الدمُ

 

   30 من نوفمبر، جاء حصادا لنضال مرير ، وكفاح طويل ومقاومة باسلة أبية، لا يأتيها التردد من يمين، ولا يجيها التهاون و التراخي من شمال .

 

   و ما أكثر ما تُستهدف المقاومة و المقاومون بالتخذيل ، والإرجاف، والإشاعات،  من قِبَل المستعمر أحيانا، وعن طريق عملائه وأدواته حينا آخر ، ومثلهم ذوي المصالح الذاتية، و الجبناء يفعلون الشيئ ذاته، ولا يخلو منهم زمن أو يسلم منهم مكان.

 

   لقد استنفرت ثورة 14 أكتوبر كل الطاقات و الإمكانات لمواجهة الاستعمار،  فكان تحقيق  الاستقلال، و من يريد أن يحقق أهدافه ضد الطغاة و مشاريع الضلال و الظلام - كما هو مطلوب اليوم ضد الكهنوت الحوثي الذي يرتهن بكل مهانة لإيران - فلا بد من النفير و الاستنفار وحشد كل الطاقات للمواجهة و المقاومة ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ).

 

   إن للثورات أعباء و تبعات، و تكاليف، وإن للاستقلال كذلك أعباؤه و تكاليفه، فالحرية لا تأتي بدون تضحيات، و الاستقلال و السلام لا يأتيان بلا بذل.

 

    هناك من كان يصف أيام الاستعمار - بعد الاستقلال - بأيام العز ، بسبب أعباء تركها المستعمر، و طبيعة بناء دولة من نقطة البداية ، و سنجد اليوم من يتحدثون بلغة الاستسلام راضين بحياة الذل و العبودية :

 

     و لا يُقيم على ضَيم يُراد به

     إلا  الأذلّان عَيْر الحي و الوتد

 

     هذا على الخَسْف مربوط بِرُمّته

     و ذا يُشَجّ  فلا  يرثي  له  أحد

 

   في ظروفنا القائمة، يرى بعض الناس أنه يربد أن يعيش ولو بلا حرية ، ولا كرامة و لا سيادة، و هو سخط - عند البعض - تصنعه الظروف، و ينسى هذا الساخط أو ذاك أنه يعيش بكل مهانة و ذلة في ظل المستعمر أو المستبد، إن ردة الفعل تجاه أعباء تكاليف السعي للحرية، أو الجهاد للحصول على العدل و الاستقلال تجعلك تسمع مثل تلك النتوءات في اللفظ و ردود الأفعال العاجزة و المنفلتة !

 

   هذه النوعية الساخطة أينما وجدت، فإنه لا قرار لها ، ولا أثر غير البلبلة و الإرجاف، فيما يمضي الأحرار نحو غايتهم، و أهدافهم يمتطون صهوات العمل، وإرادات الفعل بلا كلل أو ملل، و هؤلاء هم رجال الرجال..!!

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى