تشهد المؤسسات والدوائر الرسمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا المدعومة من إيران، تنامي ظاهرة الموظفين الجدد، من صغار السن واستحواذهم على المناصب الهامة وحصولهم على الترقيات بسرعة قياسية، على حساب الموظفين القدامى من أصحاب الخبرة والأهلية والشهادات العلمية.
هذه الظاهرة زادت وتيرتها منذ مطلع العام الجاري، حيث تم إحلال العديد من صغار السن من أبناء قيادات الصف الأول في جماعة الحوثي والمنتميين للسلالة أو من يُعرفون أنفسهم بـ"السادة"، مكان الموظفين الرسميين المؤهلين وأصحاب الخبرة والتجربة، والعديد من الأخيرين محرومين من المرتبات والترقيات ألا من التحق بمسيرة الموت والإرهاب.
التربية نموذجاً
يقول موظف في وزارة التربية والتعليم، لـ"الصحوة نت"، إنه منذ يناير ٢٠٢٢م، تم توظيف ١٤ شابا دون سن الـ ٢٥، وجميعهم من أبناء من وصفهم بـ"السلالة".
وأضاف مشترطا عدم كشف هويته لدواعي أمنية، أن أغلب هؤلاء المعينين في الوزارة مؤهلاتهم ثانوية عامة وبتقديرات ضعيفة "جيد ومقبول".
وتابع: في مارس الماضي تم ترقية 4 منهم إلى درجات وظيفية أعلى في ديوان عام الوزارة، وتم انتداب اثنين منهم إلى شركة النفط، وهم من بين الأشموري والمضواحي".
وأوضح الموظف: "أنا لي ٢٨ سنة في الوزارة، موجه بدون راتب ولا معي حتى حق المواصلات وكأننا نشتغل مجان عندهم مش عند الدولة".
ويستطرد الموظف الحكومي قائلا "هذه الظاهرة منتشرة في جميع الوزارات والمؤسسات في صنعاء، لكنها في وزارة التربية والتعليم تجاوزت كل الحدود وصار الأمر مستفز ويجري "على عينك يا تاجر" بدون حياء ولا خجل".
الرفاهية لهم والجوع لنا
في نهاية أغسطس الماضي، أشترى أحد الموظفين الجدد وهو شاب من بيت المؤيد، سيارة فارهة هي الثالثة في ظرف عامان.
وفقا للموظف بالوزارة، فإن هذا الشاب يشغل منصب نائب مدير الرقابة بقطاع المناهج بالتربية والتعليم، وقد عُين في هذا المنصب لأن خاله عضو فيما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، وهو متخرج حديثاً ولا يملك خبرة ولا معرفة بمهام المنصب الذي يشغله.
وعن حال الموظفين الذي لهم سنوات طويلة في العمل الحكومي ويحملون شهادات علمية وخبرة تزيد عن عقدين من الزمن، يقول الموظف لـ"الصحوة نت"، "أحد زملائي يعمل عتالا ويحمل الحجارة وزميلي الآخر يعمل "حمامي" في حمام بخار.
وقال إن "استاذا آخر من أصدقائي أصيب مؤخرا بجلطة ومات، وآخر فقد عقله، وغيرهم كثير، ممن تم إقصائهم وحرمانهم من المرتبات".
وعن مسار الأمور في الوزارة أضاف الموظف "يبدو أني سائر في طريق زملائي للعمل في باليومية، وكلنا من ذوي الخبرة والكفاءة مشكلتنا فقط أننا لسنا من ذوي العرق النقي (المزعوم) وأصحاب الدم الازرق" للسلالة الحاكمة لنا بالنار والحديد.
إحلال أبناء المشرفين وإقصاء اليمنيين
منذ انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية على التوافق الوطني والشرعية الدستورية واجتياحها لصنعاء والمدن في سبتمبر ٢٠١٤، سعت الجماعة المدعومة من إيران لدمج عناصرها بكثافة شديدة في كامل وزارات ومؤسسات وشركات ومصالح الدولة لاسيما السيادية والإيرادية منها، مع إقصاء وفصل الآلاف من الموظفين.
وبحسب صحيفة "الشارع"، قام الحوثيون بعد شهر واحد من انقلابهم، بإدخال 75 ألفاً من عناصرهم في القوات المسلحة والأمن، إضافة الى عشرات الآلاف من الموالين للجماعة تم دمجهم في مؤسسات مدنية وقضائية.
يتمتع هؤلاء الموظفين "الدخلاء" حسب تعبير أحد الموظفين، بالأفضلية في كل شيء من إجازات وعلاوات ومكافآت، و لهم الاحقية في البقاء إذا اضطرت الجهة التي يعملون لديها إلى تسريح بعض موظفيها، ولا تشملهم قوانين الفصل والعقوبات والتأديب، لأنهم والكلام للمصدر ذاته "موظفين فوق القانون".
غير مرغوب بنا
في شركة النفط الخاضعة للمليشيا، الوضع مشابه، حيث يعاني موظفو الشركة من سطوة من يصفونهم بـ"الصفوة" ويقول موظف في العقد الرابع لـ"الصحوة نت"، إنه "كان من المفروض أن يحصل على دورة تدريبية في روسيا قبل شهور، لكن "أحد أولاد المشرفين الجدد أخذ السفرية مني بقرار من مدير الشركة وسافر من مطار صنعاء".
موظف آخر قال لـ"الصحوة نت"، إن الادارة المعينة من الحوثيين للشركة في صنعاء "تجاهلت خدمتي وزملائي لأكثر من ١٥ سنة، ووضعت أحد المراهقين مديرا علينا، لأنه من بيت شرف الدين".
الموظف ذاته أفصح "للصحوة نت" عن نيته "تقديم طلب التقاعد وترك الشركة بما فيها"، لمن وصفهم بـ"الغزاة".
ويؤكد موظف ثالث بشركة النفط لـ"الصحوة نت"، أن مرتبات هؤلاء المراهقين الدخلاء على المؤسسات الحكومية، "تصل لضعف الراتب الذي يتقاضاه غيرهم من القدماء، بالإضافة إلى أن مخصصات شهرية وحوافز شهرية وبدلات للسفر والمظهر وما إلى ذلك".
وقال إن "كل هذه الاستفزازات والتجاوزات الصارخة تحدث أمام أعيننا، بدون حياء، يعني بالفصحى يريدون منا المغادرة للاستيلاء على الشركة لهم ولأبنائهم وأحفادهم، ومن يعارضهم يكون عقابه الخصم ولفت النظر والجزاء وحتى الفصل، وبعد كل هذه السنوات التي قضيناها في خدمة الوطن نشعر اليوم باننا غير مرغوب فينا".
زائدون عن الحاجة
في المؤسسات غير الإيرادية التي لا يتقاضى موظفوها راتبا شهريا بانتظام فالمأساة أشد بكثير، بحسب "مصطفى" الموظف الذي انقطع راتبه منذ ثمان سنوات.
يقول مصطفى لـ"الصحوة نت"، إن "أولاد المشرفين وطبقة السادة يستلمون شهريا رواتبهم الضخمة تحت مسميات عدة، كالمكافأة والمنح، ويجري ذلك بوضوح أمام اعين الموظفين الذين يعانون الفقر الحاد بسبب الاوضاع الصعبة".
وأضاف متسائلا "نحن مخلوقين من طين أما هم مخلوقين من بسكويت، هم البشر فقط أما نحن مجرد حيوانات زائدة عن الحاجة، أطفالهم يجب تغذيتهم وتدفئتهم وعلاجهم في أرقى المستشفيات واطفالنا لهم الله كل واحد وحظه".
وأوضح مصطفى الذي يتحفظ "الصحوة نت" عن الإشارة للمؤسسة التي يعمل فيها نزولا عند طلبه، أنه "إذا تكلمنا بالرفض رفعوا المدونة في وجهك قائلين انت موقع ومتعهد بالولاء لعلي بن أبي طالب واولاده، اليمن تحولت الى جحيم وقبر لغير الهاشميين ويجب علينا بكل جدية التفكير في وسائل لتغيير الواقع مهما كان الثمن".
وكانت المليشيا الحوثية الإرهابية شرعت مؤخرا في تطبيق ما تسميها "مدونة السلوك"، في تصعيدا وصفته الحكومة بالخطير ومحاولة تحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات مليشياوية تدين بالولاء لعبدالملك الحوثي ومرجعياته الإرهابية في إيران.
ويصف قيادات ونواب وإعلاميون محسوبون على الجماعة نفسها المدونة بأنها "سك عبودية"، للقضاء على كرامة الموظفين المحرومين من المرتبات، فيما ينعم الحوثي ومشرفوه وعائلاتهم بالثروات ويتاجرون -بكل وقاحة- بمعاناة الشعب اليمني الذي تسبب انقلابهم بها، ويزعمون "أنهم يواصلون الحرب للحصول على مرتبات الموظفين".