طبيعة الحياة وقوانينها الكونية أنّ كل المكتسبات قد تذهب لسبب أو لأخر ، فالأرض والمال والسيادة والحكم ومثل ذلك الكثير لا ضمان لاستمرارها على حال واحد ، وقد ينجح مارقٌ بالسطو عليها في لحظة غفلة أو ضعف ، ويمكن استعادة ذلك كله مادام الرجال ثابتون شامخون يحملون مبادئهم ، لكن إن سقطوا فقد حل البلاء الأكبر والمصيبة الأعظم ، وذاك مالم يحصل في جبهة الرفض للمشروع السلالي منذ القدم ، ولن سيحصل يوماً ما.
قيمة الثبات في وجه الانقلاب يمكنها فقط أن ترجِّح الكفّة وتحفظها من الميل ، وهي صمام الأمان الذي نعوِّل عليه كثيراً في حربنا على الانقلاب السلالي حدثاً ومشروعاً وفكراً ، فبالثبات تبقى المبادئ والقيم وتستمر ، بل وتثمر ، والعكس بالعكس .
في تاريخنا المعاصر وفي لحظة ضعف وغفلة تمكن السلالي يحي حميد الدين من تحقيق حلمه وحلم أجداده فاستلم من العثمانيين اليمن الشمالي وأعلن نفسه أميراً للمؤمنين! ، وتوجه نحو القبائل والتجمعات الرافضة كالزرانيق والمقاطرة وغيرهما، فانفرد بكل جهة أو قبيلة لوحدها، وتمكن من اخضاعهم لسلطته ، وبدا للحظة وكأن الأمر قد أُستتب له ، وسقطت الأرض أمامه حانية رأسها ذليلة ، لكن الرجال لم يسقطوا ، وثبتوا على مبدأ الرفض وكان ذلك هو الذي حفظ لليمن واليمنيين حقهم في مقاومة وإنهاء مشروع الإمامة المرتكز على الحق الالهي المزعوم في حكم وملك الارض والإنسان.
لم يدم شهر العسل لدولة الإمامة المتمنطقة بالحق الإلهي المزعوم طويلاً ، وبدأ الرجال يعودون لمواقعهم ، وعادت جبهة الرفض من جديد ، وخلال 44 عاماً فقط انتهت اسطورة السلالة التي أُريِد لها ان تحكم للأبد كحق أزلي لا جدال فيه! ، وسقط حكم السلالة كثمرة لثبات الرجال واستعصائهم عن السقوط ، فإن استكانت الأرض فلن يفعل ذلك ساكنوها ، وإن بدأ للمستبد انهم فعلوا فإنهم في الحقيقة كانوا يتأهبون لإعادة الكرة تلو الكرة ، وتناقلوا الراية ولم يستكينوا حتى كان سقوط السلالة المستبدة .
تلك هي سنة كونية من سنن الحياة ، فالأرض وما فيها تحنو جبهتها للقابضين على جمر الحرية ، وإن استكانوا لبرهة فتلك استراحة محارب لا غير ، والتاريخ القديم والحاضر خير شاهد ، كما أن الأحداث التي تدور رحاها في وطننا اليوم تؤكد هذا المنحى ، فمحاولات الامامة إعادة انتاج ذاتها في وقت تخيلت فيه أن الرجال قد تخلوا عن مبادئهم ، وفي لحظة غفلة سقطت الأرض والدولة وكل ما فيها من امكانات عسكرية ولوجستية بأيديهم ، لكن الرجال ثبتوا وقاوموا السقوط فهبوا من كل حدبٍ وصوب ليجرعوها المرارات ويئدوا حلم العودة بالتاريخ للوراء ، وستظل هذه الروح مشتعلة ما دام هؤلاء صادقون فيما عاهدوا الله عليه.
في طريق استعادة الجمهورية من أيدي الانقلاب ثمة علامات وإشارات تؤكد أن الانتصار لقيمة الثبات سيكون هو الغالب ، فرغم الهجمات الشرسة المركزة من قبل الانقلابيين ورغم الصمت الدولي والتخاذل الاقليمي ، وقصور في إدارة المعركة ، رغم كل هذه المنغصات لم يتحقق للانقلابيين حلم العودة والسيطرة ، وفشلوا في تحقيق أهدافهم التي ربما حصلوا على ضوء أخضر لتحقيقها ، واصطدمت فقط بثبات الرجال الذين أبو السقوط .
وسواء ارتضى العالم أو لم يفعل فإن ثبات الرجال هي الحقيقة التي لامجال لإنكارها ، وليس ثمة مخرج إلا البناء عليها ، والانطلاق بجهد أكبر تبذله كل الاطراف والمكونات لاستكمال التحرير واستعادة ما تبقى من الوطن ليعود حراً آمنا لا يشكل خطرا على اقليمه ولا جيرانه ، يجتمع تحت ظله كل أبنائه دون تمييز لسلالة أو لأسرة أو لجهة ( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ، قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً )