"لا رحموا الناس ولا خلو رحمة الله تنزل"، يلخص "عبد العليم" وهو موظف حكومي في صنعاء، معاناة الموظفين في مناطق سيطرة ميلشيات الحوثي، مع سلطة الأمر الواقع التي تفرض ضوابط وشروط غير منطقية، ليس فقط أنهم بلا رواتب أصلاً، بل ممارسة الانتهاك ضد هويتهم وأفكارهم.
ومنذ سنوات ينتظر الموظفين في مناطق سيطرة ميلشيات الحوثي، اتفاق لتسليم رواتبهم المنقطعة، ومؤخراً ارتبطت رواتبهم بتمديد الهدنة المنتهة، لكن ذلك لم يحدث بل زادت على ذلك الميلشيات اصدار ما سميت بـ"مدونة السلوك الوظيفي"، وهي أشبه بشروط وضوابط أيدلوجية وطائفية للوظيفة العامة في الدولة.
وقال عبد العليم: "فرضوا علينا دوام بدون رواتب ويعطونا ما بين الحين والآخر نصف راتب أشبه بصدقة، والآن يريدون وفقا للمدونة ان يفرضون البصمة لحضور منتظم بالدوام، في عملية إهانة متعمده".
ووفق بنود المدونة الحوثية، اعتبرت أن المرجعيات لها هي كل من: محاضرات زعيم الميلشيات الحالي عبد الملك الحوثي، ومحاضرات سابقة لشقيقة حسين الحوثي، الذي قتل في معارك مع القوات المسلحة اليمنية عام 2014 عقب اعلان اول تمرد مسلح على الدولة في صعدة (شمال اليمن) ومعقل زعماء ميلشيات الحوثي.
رفض كلي لليمنيين
وأثار إعلان مليشيا الحوثي، لتلك المدونة ردود أفعال واسعة بين أوساط اليمنيين، وعدها كثيرون، وثيقة استعباد للموظفين وتتناقض مع قوانين ودستور الجمهورية اليمنية، كونها تلزم الموظفين بمبدأ الولاية الطائفي، واعتبرها آخرون وثيقة تمييز طائفي وسلالي تنتهك حقوق الانسان.
قال أحد الموظفين الحكوميين في صنعاء، "ان رفض جميع اليمنيين مدونة الحوثيين لأنها احتوت على شروط انزلت الموظف الى درجة العبد الخاضع، او "اسير الحرب"، حسب تعبير موظف حكومي.
ويضيف الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه "نحن مطحونون ثماني سنوات بدون مرتبات اين مرتبات الناس والحقوق المكفولة، لم نجد سوى التنظير بخطط وبرامج من اجل سرقة الملايين، والناس يموتون جوعاً".
وأشار: "فوق الجوع يريدنا الحوثيين أن نكون عبيد لهم حتى يفرضوا علينا أفكارهم"، وتساءل، نريد ان نعرف كيف مدونة سلوك وظيفي والموظفون بدون رواتب؟! وقال: "أقل شي يعطونا حقوقنا وبعدها يطالبوا بالواجبات التي عليهم".
مدونة إذلال
"محمد قاسم" تربوي في صنعاء، يصف موظف مدونة السلوك الوظيفي بـ"الكارثة"، وقال: "اعتمدوا مدونة السلوك الوظيفي بلا راتب استخفاف بعقول الناس، بعد أن تحولت الوظيفة العامة باتت غنيمة حرب مستباحة دون خبرة ولا كفاءة ولا مؤهل ولا شروط لعناصر الحوثي".
وقال لـ"الصحوة نت"، " إن إجراءات الحوثي بمثابة "ضربة قاضية" هوت على رؤوس موظفي الدولة الذين اصبحت حالهم سيئاً للغاية بسبب الاوضاع المعيشية الصعبة وانقطاع الرواتب وغلاء الأسعار".
واضاف: "يريدون منا ان نؤمن بأفكارهم الطائفية ونحن جائعين، ويهددونا بالفصل ونحن نذهب للدوام مجاناً وأحيانا لا نجد قيمة المواصلات"، لفت: "إنها عملية اذلال وعبودية مكتملة الأركان لسلطة لا تعترف بحق لأحد".
وأشار التربوي "قاسم"، أن ميلشيات الحوثي تهدف من خلال تلك السياسيات التي لا يقبل بها عاقل، إلى طرد الكارد الوظيفي للدولة الذين لا ينتمون للجماعة، والموظفين من قبل سنوات سيطرتهم، لإحلال بدلاً عنهم.
طائفية وأدجله للوظيفة
لم تكن المدونة الحوثية عبارة عن إجراءات من أجل انضباط الموظفين عبر سلسلة من التوجيهات والعقوبات، بل عملت على تكريس الطائفية وأفكار الحوثيين كمنج يجب أن يلتزم به الموظف في المؤسسات الحكومية.
ويرى الكاتب والباحث احمد النبهاني: "التركيز على مفهوم الولاية في مدونة السلوك الوظيفي تعني فيما تعنيه ان الحوثيين يمارسون بوعي او بدون وعي عملية إكراه الناس على طريقتهم في الإيمان".
وقال في منشور بصفحته على فيسبوك "إن اليمنيين منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 قد حسموا امرهم في ان الولاية للشعب يمارسها عبر الانتخاب المباشر لسلطته التشريعية ولرئيس الدولة والذي بدوره يقدم مقترحا بالسلطة التنفيذية إلى البرلمان".
وأضاف: "إلزام الموظف بالمشاركة في الدورات الخاصة بالحوثيين، كل ذلك يدخل في معنى ان الحوثيين يريدون ان يكرهوا الناس على اعتناق طريقتهم في التفكير ويريدون ان يفرضوا على الناس إيمانهم".
محاكم تفتيش
شملت المدونة منع الموظفين من الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الاعلام، عن أي قضايا تخص الانتهاكات والمخالفات في المؤسسات الحكومية ومقار أعمالهم، وهذا بند يعمد بشكل ممنهج على تكريس العبودية والطاعة لسلطات الميلشيات.
وقال القاضي محمد مهدي الريمي "ان المدونة الحوثية فيما يخص التعبير عن الرأي والحق في ممارسة الانتقاد، فقد خالفت كل الحقوق الدستورية منذ عقود من الزمن واستبدلتها بقيود، في منع حق التعبير عن الرأي وحق الاختلاف وحق التنوع وحق النقد ومواجهة السلبيات".
وأضاف في منشور بصفحته على "فيسبوك": "بهذا يمكن ان تتحول المؤسسات الحكومية إلى محاكم تفتيش ومحاكمة الضمير وقطع ارزاق من يختلف مع الحاكم في طريقة التفكير".
ويرى الحوثيين ان مدونتهم عبارة عن "توجيهات الهية" كما وصفها القيادي الحوثي "ضيف الله الشامي"، الذي قال "من يرفضون المدونة مشكلتهم مع الله فقط"، في تأكيد على قدسية ما يفرضه الحوثيين باعتبارهم حكام من قبل الله وفقاً لمبدأ "الحق الإلهي" الذي يعتمدونه في الحكم باعتبارها حق حصري بهم فقط.
ويرى تربويون أن خطورة "المدونة الحوثية" فيما سيليها من إجراءات إذا تم العمل بها في المؤسسات الحكومية بمناطق سيطرة الحوثيين، في عملية انتهاك هي الابشع في تأريخ الموظف اليمني.
وقالت التربوية عليا عبد الملك "تهدف الميلشيات لتحول الجهاز الاداري للدولة الى مخزن بشري من المطيعين للجماعة بشكل مطلق، وإذا ما تم الاتفاق على تسليم الرواتب ستكون بذلك وجدت المبرر لذلك بالقوة".