تشتهر مدينة عدن القديمة المعروفة حاليا بمديرية (كريتر) بعدد من المميزات والسمات السياحية والمعالم التاريخية والأثرية الضارب جذور بعضها في أعماق التاريخ والتي منحت المدينة عبقاً تاريخياً ورصيداً أثرياً.
وكان لشوارع هذه المدينة وأزقتها الشعبية العريقة نصيب من هذا الرصيد حيث تعد المدينة سوقاً كبيراً يتفرع بحسب حاجة المتسوق وهي أسواق عتيقة منها : الزعفران، البز، الحدادين، البهرة، وسوق الطويل الواقع في قلب المدينة والذي يعد أشهر هذه الأسواق.
وتعود تسميته السوق بهذا الاسم إلى إبان فترة الاستعمار البريطاني حيث جرى تغيير تسميته بعد الكفاح المسلح إلى شارع الشهداء إلا أنه بقي محافظاً على اسمه الذي عرف به حتى اليوم ب(الشارع الطويل).
وعلى الرغم من ما حل من طمس لبعض المعالم التاريخية لهذا السوق التاريخي وحجم التشوهات التي طالت العديد من جوانبه إلا أنه مازال يتربع أكثر الأسواق شهرة وإقبالاً من قبل المتسوقين في مدينة عدن.

السوق الطويل
يتكون هذا الشارع الذي كان في الماضي عبارة عن (برندات) من ممرين للمشاة، وطريق واحد لعبور السيارات، ونظراً لقدم مباني هذا الشارع فقد ظهرت عليها تأثيرات عوامل التعرية (الملوحة) وغيرها، وتزدحم فيه العديد من المحال التجارية القديمة.
ومن أبرز المحلات القديمة التي مازالت باقية في هذا الشارع، وحاضرة في رواية الزمان والمكان، مكتبة (الحاج عبادي) التي أنشأها الحاج عبادي حسن الهاشمي، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى أكتوبر 1884 م وهي أول مكتبة أنشئت في شبه الجزيرة العربية.
كما يوجد في هذا الشارع العديد من المحال القديمة، كمطعم (ملك المطبقية) الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1962 م إضافة إلى محلات أخرى من المحلات التي تأسست منذ مراحل قديمة ومازالت تؤدي وظائفها حتى اليوم حاملة معها نكهة التاريخ، وحضارة مدينة مازالت أبرز مكاتبها ومحلاتها تشهد على ذلك.
وعلى الرغم من ما يمتاز به هذا الشارع " السوق الطويل " من سمات تاريخية، إلا أن هناك الكثير من أعمال العبث والتشويه طالته وطالت مباني هذا الشارع الذي تعرض لطمس مغزى التراث والهوية التي تميزت به مباني مدينة عدن منذ القدم وتم إحلال مباني من الطراز الحديث بدلا عنها.
تشويه وخراب
تقول الباحثة في تاريخ عدن ايمان سعيد ان السوق الطويل يعد من أشهر وأقدم الأسواق في مدينة عدن وأن ما يميز هذا الشارع أو السوق عن غيره من الشوارع والأسواق احتضانه لأقدم المحال التجارية.
وتضيف إيمان في تصريح خاص لـ " الصحوة نت " أن أسواق مدينة كريتر تعتبر من أجمل وأفضل الأسوق في مدينة عدن وتحتوي على كل ما يحتاجه المواطنون بما فيها " السوق الطويل " الذي يعد معلما من معالم كريتر وأشهر أسواقها وشوارعها وقلب المدينة النابض الذي يتفرع منه حواري كريتر وازقتها.
وتؤكد أنه بالرغم من ما يمتاز به هذا السوق من وفرة بعض المحال الحيوية والمهمة بالنسبة للمواطنين إلا أنه بات بحاجة ماسة إلى إصلاح ووجود قوانين صارمة للمحافظة على مظهره ونظافته.
وتشير إلى أن ما يشهده هذا الشارع "السوق الطويل" في هذه الأيام يجسد عنواناً للفوضى من قبل بائعي البسطات المنتشرين على طول امتداده ويتسببون بإحداث اختناق حاد في مسار الحركة المرورية للسيارات والمارة المارة.
وتوضح أن هذا السوق تعرض مؤخراً للكثير من الإهمال حيث ضاق طريقه نتيجة انتشار البسطات فيه بكثرة مع انتشار الأوساخ وغيرها من الأمور التي أساءت وشوهت منظره العام .

أسواق تاريخية
وتحتوي مدينة كريتر أيضاً على شارع الزعفران وهو أشهر شارع وسوق تجاري اشتهر قديماً بسوق الصاغة ويقع في وسط مدينة كريتر الممتدة إلى نهاية السوق الطويل.
وتنتشر في هذا السوق محلات مشهورة ببيع البهارات التي يقبل عليها المواطن العدني باعتبارها سيدة الموائد مثل حلويات (الهلوة) و(العطرية) و(العنز) والهيل والقرفة وبقية الأنواع الأخرى من البهارات .
كما تحتوي على سوق " البز " الذي يبدأ من منطقة الدرج ويعد أيضاً من أسواق عدن القديمة بعد ان تم انشاءه خلال فترة الاستعمار الإنجليزي لمدينة عدن ويحمل اسم النمط التجاري الذي يطغى عليه.
ويشهد هذا السوق الذي يمتلئ بمحلات بيع البضائع القطنية والحريرية والصوفية والملابس ازدحاما كبير خصوصا خلال مناسبات الأعياد حيث يأتي العدنيون إلى سوق لشهرته في بيع أنواع الأقمشة والتي تفصلها النساء العدنيات عند الخياطات والخياطين على شكل دروع وجلابيات تُلبس في مناسبات عدة.
وكان لمواد الحديد ومهنة الحدادة سوقا خاصا بها في مدينة " عدن القديمة " أو ما يطلق عليها حاليا بمديرية كريتر حيث اطلق على هذا السوق اسم " سوق الحدادين" وهو من اسواق عدن القديمة ويحمل اسم النمط التجاري الذي يطغى عليه حيث تمارس معظم المحلات الواقعة في هذا الشارع مهنة الحدادة والبعض الادوات المنزلية وخزانات المياه (والصفائح) الحديدية والمعدنية وغيرها.
وما أن تتجول في شوارع وازقه هذه المدينة وتطأ قدماك في " سوق البهرة " الذي يعد أحد أسواقها التاريخية والأثرية حتى تشعر بهاجس استدعاء للحظات مندثرة وتشتم رائحة المكان التي ما زالت تحتوي على عبق الماضي هناك.
ويعد سوق البهرة نموذجا للأسواق الشرقية القديمة وتنبعث من محلاته روائح أخاذة من البخور وعطر العود والمجموع والمعمول العدني ويشتهر أيضا هذا السوق بمحلات البهارات والحوائج والنكهات الغذائية والتمباك والحناء والمكسرات.
لم تكن هذه الأسواق هي الرصيد الأثري الوحيد الذي تميزت به مدينة كريتر فما زالت المدينة تحتضن العديد من المعالم التاريخية والأثرية ابرزها قلعة صيرة وصهاريج عدن ومنارة عدن وجامع العيدروس ومسجد جوهر وقصر السلطان إضافة الى العديد من المعالم التاريخية والأثرية الأخرى التي تمتاز بها المدينة.
وتزخر مدينة عدن بالكثير من المعالم الأُثرية والتاريخية التي تعرضت للإهمال من قبل السلطات المتعاقبة، وهو ما شوه جمالها الضارب في عبق التاريخ.