الاستبداد حين يحكم يكون همه الأول أن يوفر أدوات الاستبداد و الديكتاتورية. همه الأول أن يفرض قبضة حديدية لا مكان فيها للعدل و لا للإنسانية.!!
المستبدون ، لا يكتفون بأدوات الاستبداد، و وسائل القمع و البطش وحدها، و لا بتسخير إمكانات الدولة المالية فحسب، و لا تنحصر في السيطرة التامة على الوسائل الإعلامية و العسكرية و الأمنية فقط.
في أنظمة الحكم المستبدة كل تلك المقدرات، التي يفترض أن تكون لرفاه المواطن و الوطن و خدمتهما، تصبح جميعها أدوات قمع و جبروت !
لكن الأعظم جرما ، و وحشية و ظلما أن يصبح القضاء من يشرعن للظلم، و أن يتحول إلى أداة قمع و إرهاب بيد الظالم المستبد..!!
في احتجاجات الشعب الإيراني السلمية ينبري من يسمى الرئيس الأعلا للقضاء لإصدار توجيهاته و أوامره لعموم قضاة المحاكم بإنزال أقسى العقوبات ضد المحتجين و المتظاهرين.
أحكام قضائية مسبقة، و حتى دون النظر في أسباب المشاركة في هذا الاحتجاج أو تلك التظاهرة.
في هذه الحالة الإيرانية ؛ هل أسند القضاء لأهله؟
ما أتعس البلد الذي يسند فيه أمر القضاء لغير أهله من الأكفاء و الأتقياء و النزهاء..!!
كتب الخليفة أبو جعفر المنصور إلى سوار بن عبدالله قاضي البصرة كتابا فيه : أنظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد و فلان التاجر فادفعها إلى القائد، فكتب إليه سوار : إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر فلست أعطها لغيره إلا ببينة، فكتب إليه المنصور : و الله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد، فكتب إليه سوار : والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق.
فلما وصل كتابه إلى المنصور قال : مَلأتُها و الله عدلا، فصار قضاتي تردني إلى الحق !
هذا نموذج للقاضي العادل الذي يصدر أحكامه على ما تقوم عليه البيّنة، و يثبت عنده الدليل.
إنه قاض ٍ، توفر لديه العلم، و تمكنت في ضميره العدالة و التقوى، فأبى أن يبيع دينه بدنياه. فكان هو من يصدر الحكم، و ليس الاتصال التليفوني، أو الضغط السلطوي.
و في المقابل، هناك الحاكم الحصيف الذي يسند منصب القضاء لأهله، ممن يتوخى فيهم القوة و العلم و الكفاءة و النزاهة.
لم يكن المنصور الداهية، ممن يضرب به المثل في العدل، و لكنه كان من الحصافة و الدهاء في أن لا يؤثَر عنه - عند الناس - أنه ممن يجامل على حساب المجتمع ، و الأمة مناصب تمس حياة الناس مباشرة.