لم تأت ثورة الرابع عشر من أكتوبر جملة منفصلة عن السياق الثوري لليمن عامة كما يزعم اليوم بعض المرضى، ولكنها كانت خطوة أخرى في ذات الطريق، ومنجزا آخر في نفس المشروع، ذلك المشروع المتكامل الذي ظهرت بواكيره في اليمن عموما واحتضنت تباشيره الأولى كل من صنعاء وعدن وتعز ولحج وشتى المناطق اليمنية، ويومها كان الثوار على قلب رجل واحد، يعملون في إطار مشروع ثوري موحّد.
وقد أدرك كل من السلطات البريطانية في الجنوب والإمام أحمد في الشمال خطورة التنسيقات الجارية بين الثوار، فعملا على إيجاد مشروع مناهض للثورة على أعلى درجة من التنسيق والتخادم، ففي الوقت الذي سعت بريطانيا في التضييق على الواجهات الثورية المناهضة للإمامة والتي احتضنتها مدينة عدن قام النظام في الشمال بمطاردة كل الناشطين الجنوبيين المتواجدين في الشمال، مما نقل العمل الثوري إلى مرحلة أكثر وعيا وتنظيما، اتسمت بالسرية والحذر الشديد، وجعلت المشروع الثوري أكثر تماسكا، فقد استقر في يقين الثوار أن الاحتلال البريطاني هو الإمامة وأن الإمامة هي الاحتلال البريطاني، وإن اختلفت الأشكال وتباينت الأسس، وتعددت المسميات فكلاهما كيان مستبد ظالم، يمتص خيرات البلاد، ويسعى إلى إبقاء الشعب اليمني كلا تحت نير الإذلال والعبودية، يفتك به الجهل والجوع والمرض. ومن هنا فقد وصل الثوار إلى قناعة راسخة ثابتة مفادها أن مشروعهم الثوري يجب أن يصل إلى أعلى درجة من التكامل والتعاضد، وأن يسعى في كل تحركاته إلى تحقيق هدف واحد، هو تحرير اليمن كله، وإخراجه من ظلمات التدجين والاستعباد إلى أنوار الحرية والعدالة، وأن الثورة لن يكتب لها النجاح البتة إذا اكتفت بالقضاء على أحد المستبدين، وأن لا حل إلا بالتخلص منهما معا، ولولا أن الظروف في صنعاء أتاحت للثورة في الشمال أن تُنجز قبلا لكان بإمكان الثورة في الجنوب أن تتقدم وفي كل خير. فقد هيئت حكومة الثورة في صنعاء كل المناخات المساعدة لاستكمال المشروع الثوري الواحد وجعلت من صنعاء وتعز والحديدة وغيرها ملتقى لثوار الجنوب وحواضن آمنة لأنشطتهم السياسية والعسكرية.
إن أي فكرة تحاول اليوم أن تتحدث عن ثورتين منفصلتين لهي فكرة تجافي الواقع، وتتنكر للتاريخ والجغرافيا، بل وتحاول العبث في الوعي الثوري الشعب الذي أصبح مقتنعا حد اليقين بأن الإيمان بسبتمبر هو الإيمان بأكتوبر وأن الكفر بإحدى الثورتين هو كفر بالثورة عموما، وأن تلك الإجتزاءات التي تحاول النيل من إحدى الثورتين بفصلها عن الأخرى هي محاولات مشبوهة ويائسة، ولن يكتب لها النجاح مادام الشعب من أقصى الوطن إلى أقصاه مؤمنا بوحدة الهوية وواحدية الوجود والمصير.