لا تزال "أم محمد" تتذكر بسمة طفلها الصغير "محمد" ذو الثلاثة عشر عاماً قبل ذهابه للقتال في صفوف ميليشيات الحوثي.
حين ذهب للقتال، تقول أمه، لم يخبرها أنه سيذهب لخطوط الاشتباك مباشرة، ووعدها بأنه سيعود بمجرد انتهاء ما تسمى "الدورة الثقافية" ولكنه لم يعد أبداً.
في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلاب الحوثي باتت صور الأطفال القتلى من المشاهد المألوفة هناك حتى أنها لم تعد تحرك مشاعر الأهالي الذين وصلوا إلى مرحلة "الجمود"، لكن وراء كل طفل من هؤلاء قصة وآباء وأمهات لم تتوقف عيونهم عن البكاء، وذكريات لا تزال تملأ كل زاوية من زوايا منازلهم.
تقول "أم محمد: "لم أكن أتوقع أن ابني الصغير الذكي المهذب سيتركني وحيدة ويذهب للقتال مع الحوثيين، لقد ترك رحيله فراغا وحزنا لن أستطيع تجاوزه طوال عمري المتبقي".
فقدنا كل شيء
وتعتمد ميليشيا الحوثي بالدرجة في ضمان استمرارية حروبها على الأطفال بالدرجة الأولى حيث تشير آخر تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب ٣٠ ألف طفل دون الخامسة عشر قد تم تجنيدهم من قبل الحوثيين واستخدامهم في النزاع الدائر في اليمن، وأن من بينهم ما يقارب عشرة آلاف طفل قتلوا في الجبهات مع الحوثيين.
وتقول "بشرى" وهي أم لأحد الأطفال الذين قتلوا في صفوف الحوثي: "أطفالنا بالنسبة للجميع مجرد ارقام وبالنسبة الحوثي هم مجرد اخشاب احترقت لتستمر مسيرته في الاشتعال، لكن بالنسبة لنا أطفالنا هم كل شيء وبفقدانهم فقدنا كل شيء، أخذوا منا الرواتب والأعمال والارزاق والازواج والأخوة ونحن صامتين وساكتين، والان يأخذون اطفالنا الذين لا نملك في الحياة سواهم".
وتتابع: "من سيعيد لي ابني الذي أخذوه رغما عني؟ ما شان ابني الصغير بحروف الشرعية والحوثي واليمن وإيران؟ لماذا ليس في المدرسة مثل بقية الاطفال في مثل سنه في كل العالم؟".
قتلت ابني
ولا يقتصر الحزن والأسى على الوالدين الذين رفضوا ذهاب أبنائهم للجبهات، فحتى اولئك الموالين للحوثي الذين وافقوا بل وشجعوا على تجنيد أطفالهم أكلهم الندم بعدما استيقظوا ذات يوم على الحقيقة الموجعة بأن طفلهم قد قتل.
يقول "عبدالسلام" وهو متحوث رمى بطفله "يزن" للموت بيديه:" لا أدري ما لذي فعلت في حق ابني لقد رميته للموت ووعدته بالجنة كما وعدوني، المشكلة ان أبناء الذين وعدتني يدرسون الطب في ماليزيا وانا اعطيتهم ابني الصغير الذي كان يلعب في حضني ويملأ علي البيت فرحا وسرورا، انا قتلت ابني وانا غريمه ولا احد غريمه سواي".
أما زوجته " أم يزن" فتقول باكية: "صحيح كنا موافقين على ذهابه ولكن لم نكن نعلم أنه سيقتل، كنا نعتقد أنهم يضعون الصغار في الخطوط الخلفية للتدريب والامداد فقط ولكنهم كانوا في الخطوط الأمامية، كان أطفالنا وقوداً للحرب وأول ضحاياها، لقد سلبتنا هذه الحرب اللعينة كل شيء حتى ادميتنا وسلبتنا مشاعر الأبوة والأمومة، استودعك الله يا ولدي وأرجو أن تسامحني وتسامح أبوك على جريمة التفريط بك عندما نلتقي بين يدي رب العالمين".
لا يفيد الندم
أما عبدالله الذي فقد ابنه ذو ١٢ عاما كذلك يقول :"لا يفيد الندم والبكاء بعدما قدمنا أطفالنا قرابين لاستمرار بعض الناس في الحكم، لقد كان أطفالنا في أيدينا ولم تكن أي قوة في الأرض تستطيع أخذهم منا بالقوة بل نحن من فرطنا بهم بأنفسنا، ادعو كل الآباء والأمهات أن يحفظوا أبنائهم فهم أمانة لديهم ولا يلقوا بهم إلى التهلكة بسبب حروب لا شان لنا بها، صدقوني أن ألم فقدان الولد شديد جدا اشد من الموت نفسه، أتمنى أن تعود الأيام للوراء لاحمي ابني وأعلمه وأدخله المدرسة لكي يصير دكتورا او مهندسا وانسانا ناجحا، ولن ارميه للمحرقة بيدي ابدا".