لم يكن من قبيل الصدفة أن أسمع اسم الشيخ يوسف القرضاوي لأول مرة مقترنا بعمل أدبي وفني جميل، ففي مطلع ثمانينات القرن الماضي قام أحد المعاهد العلمية في مدينة الحديدة بعرض مسرحية بعنوان(عالم وطاغية) وقد علمت حينها من اللوحة التعريفية التي عُرضت مع المسرحية أن مؤلف هذه المسرحية هو الدكتور يوسف القرضاوي، ويومها اعتقدت ومعي كثير من الزملاء أنه أحد المشتغلين في مجال المسرح، لكن هذا الانطباع تغير قليلا حين وصلت إلى مسامعنا أنشودة رائعة بصوت المنشد السوري أبي مازن، يقول مطلعها:
مسلمون مسلمون مسلمون
حيث كان الحق والعدل نكون
نبتغي الموت ونأبى أن نهون
في سبيل الله ما أحلى المنون
فقد أضافت هذه الأنشودة إلى معلوماتي أن ذلك المؤلف المسرحي شاعر أيضا.
وعند زيارة أحد الزملاء إلى معرض الكتاب بصنعاء عاد إلى مدينة الحديدة فأهداني كتاب الإيمان والحياة، وكم كانت مفاجأتي كبيرة حين قرأت اسم الدكتور يوسف القرضاوي على غلاف الكتاب، ثم كان لي شرف الإبحار في عوالم الكتاب، متنقلا بين فصوله ومواضيعة بانجذاب شديد، مستعذبا تلك اللغة الراقية التي جمعت بين العلم والفن، ولقد كان هذا الكتاب بوابة الدخول إلى عالم القرضاوي البديع وفكره الوارف وكدت بعدها أن أنسى القرضاوي الأديب الشاعر.
لكنه لم يسمح بذلك؛ فقد أصدر ديوانه الجميل نفحات ولفحات في منتصف الثمانينات معلنا أن لديه الكثير من بنات الوجدان، وأنه لولا الشعر بالعلماء يزري لكان اليوم أشعر من لبيد ومن كثير من الأسماء الشعرية في المشهد الأدبي الراهن.
ومع أن الشيخ انشغل في العقود الأخيرة في مجال الفقه والفكر الإسلامي فأصدر أكثر من خمسين مؤلفا متنوعا؛ إلا أنه دون شك ظل على صلة بالبوح الشعري وعالمه الجميل، ولم يترك أحدهما الآخر، ولاشك أن نصوصا شعرية كتبها الرجل في العقود الأخيرة تكفي لإصدار ديوان آخر أو أكثر، وتنتظر يدا كريمة تقدر تراث شاعر مفكر حلق بالكلمة الحية عاليا فكرا وأدبا ووهب المكتبة الإسلامية منجزا ضخما، سيبقى فنار هداية ومنار إرشاد.
رحم الله الشيخ القرضاوي رحمة واسعة، فقد رفع صوته ذات يوم وهو في السجن متحديا جلاديه:
ضع في يديّ القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكين
فالنور في قلبي وقلبي في يدَيْ ربي وربي ناصري ومعيني