لا تجد فنانا يمنيا في فترة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم سواء في شمال الوطن أو جنوبه إلا وله إسهام في مجال الأنشودة الوطنية على درجات متفاوته في ذلك، فقد كان إسهامهم في هذا الجانب أشبه بالالتزام الأدبي، بل إنهم كانوا يرون التقاعس عن هذا الأمر منقصة كبيرة، ومثلبة عظمى في حق الفنان وفنه معًا.
ففي الشمال على سبيل المثال أنشد الفنان علي الآنسي عددا من الأناشيد منها جيشنا البطل، واليوم يا تاريخ، ويا بلادي، وأنشد عبدالفتاح البصير أنشودته الشهيرة جمهورية ومن قرح يقرح، وأنشد أحمد السنيدار أناشيد منها: رددي أيتها الدنيا، وكالبراكين العنيفة، واشهدي أيتها الدنيا اشهدي، وأنشد علي السمة أنشودته ياحبيبة يا يمن، وأنشد أحمد المعطري: يمينا بمجدك يا موطني، وغنى إبراهيم طاهر أنشودته: أنا يمني، ومحمد الزبلي: اليمن بلادنا.
ومن الجنوب أنشد محمد مرشد ناجي عددا من الأناشيد منها أنا الشعب، وياشاكي السلاح، وأنشد أحمد قاسم من كل قلبي أحبك، وأنشد أبوبكر بلفقيه اليوم يومك يا عدن، وأنشد العطروش برّع يا استعمار وأنشد محمد سعد عبدالله الله الله يا اكتوبر.
ومع أن هؤلاء جميعا قدّموا جهودا مشكورة إلا أن الفنان أيوب طارش يعد رائد هذا الفن على مستوى الوطن كله، لتميزه عن غيره بجملة من الأسباب أهلته لتبوء الصدارة وليكون أيقونة النشيد الوطني الأولى.. وبلا منازع.
ويأتي الإنتاج الغزير للفنان أيوب في الصدارة من هذه الأسباب، فقد تغنى للوطن بما يزيد عن عشرين أغنية وكلها حاضرة في ذاكرة الناس، ولا تزال حية رغم مرور أكثر من نصف قرن على بعضها. ومن أهما: أنت يا سبتمبر التحرير، بلادي اليمن، انثري الضوء حولنا ياذُكاء، الهتافات لمن، عن طريق خطه ذو يزن، يا ابنة البانة إسجعي، وأعظمها على الإطلاق رددي أيتها الدنيا. والملفت أن كل هذه الأناشيد مزدانة بنصوص قوية، جميلة المعنى مأنوسة الكلمات، وبألحان باذخة الجمال، يمثل كل منها نسيج وحده رغم طغيان الروح الأيوبية فيها والتي نظمتها جميعا بسلك واحد من الإدهاش والجمال.
ولعل السبب في هذه الكثرة يعود إلى انفتاح أيوب على عدد كبير من شعراء الوطن، مما جعل النصوص لديه بوفرة كبيرة كفته عناء البحث ومشقة التقصي.
ومن الأسباب أيضا تلك الثنائية الجميلة التي جمعت الفنان أيوب طارش بالشاعر الوطني الثائر عبدالله عبدالوهاب نعمان الذي كتب لأيوب العدد الأكبر من أناشيده، وقد وجد كل منهما في صاحبه ضالته المنشودة: وجد أيوب في نعمان شاعرا مقتدرا من الطراز الأول، قادرا على تطويع المعاني الوطنية في ألفاظ جميلة مأنوسة، وأوزان بسيطة يسهل التعامل معها لحنا وأداء، ووجد نعمان في أيوب صوتا ساحرا قادرا على استبطان المعنى وتمثل الدلالة، تعززه رؤية فنية عميقة انعكست في الاختيار الموفق للحن الأيوبي الذي ميز كل أناشيده الوطنية، وجمع في مؤداها المتميز بين الوقار والعظمة وبين الحماسة كجناحين مهمين لأي نشيد وطني.
ويأتي صوت أيوب ثالث أضلاع هذه التوليفة الجميلة، فهو صوت قوي واضح، ذو خامة فنية كثيفة، وبطبقات صوتية متعددة ومرنة ولديها قدرة كبيرة على الانتقال بين القرار والجواب بسهولة ويسر، وفي الإطار العام يتميز صوت أيوب بنبراته الرجولية التي تتناسب مع مضامين النشيد الوطني بخصوصية يمنية فريدة بعيدا عن مظاهر الميوعة والتكسر التي تسللت إلى أصوات عدد من المنشدين بفعل التأثر بألوان من الفن جاءت من خلف الحدود.
لقد أصبح أيوب فنان الوطن الأول دون منافس، ويكفيه فخرا حضوره اليومي في مختلف ربوع الوطن حينما تتربع شمس الصباح مشدودة إلى سارية العلم وأجيال اليمن ترفع صوتها بعد أيوب:
رددي أيتها الدنيا نشيدي
ردديه وأعيدي وأعيدي
واذكري في فرحتي كل شهيدِ
وامنحيني حُللًا من ضوء عيدي