لم يكن الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان يدري وهو يكتب أنشودته الخالدة (رددي أيتها الدنيا نشيدي) أن هذه الأنشودة ستصبح أيقونة الوطن الأولى، وأنها ستصبح فاتحة الاحتفالات الوطنية، ورفيقة الطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات، يحفظونها عن ظهر قلب ويترنمون بها كلما أرادوا مناجات الوطن والتغني بعظمته أينما شاءوا ومتى شاءوا.
كتبها الفضول ذات تماه مع الوطن وامتزاج به، وقد استغرق في كتابتها وقتا طويلا، لا عجزا منه، فهو فارس الشعر، ومتى ما دعا المعاني والألفاظ جاءته طيعة ذلولة تلقي بجواهرها ودررها بين يديه، ولكن تهيبا من الرجل، وهو في محراب الوطن، وإحساسا منه في أن هذا النص لابد أن يأخذ حقه من التحسين والتجويد، أملا في أن تكون له مكانة باذخة بين الأناشيد الوطنية التي كانت مضمار تنافس كبير بين شعراء كثر آنذاك أبرزهم إلى جانب الفضول الشاعر الكبير علي بن علي صبرة والشاعر عباس المطاع وغيرهم.
وباكتمال كتابة النص وجد الفضول نفسه أمام نص باذخ يعكس مرايا الروح وأشواق شعب وخلجات الوطن الممتد من القلب إلى القلب، فرأى وهو يعايش عددا من الأصوات الندية أن هذا النص لا ينبغي أن يحتكره صوت واحد فقدمه في شبه مسابقة غير معلنة لعدد من الفنانين، ولم تمض فترة حتى كان ثلاثة منهم قد أكملوا تلحينه، وراحوا يسجلونه في الإذاعة كلا بطريقة أداء ولحن مختلفين، وفاز بها أيوب طارش، وبقيت مساهمتا كل من الفنان علي بن علي الآنسي والفنان أحمد السنيدار جهدين مشكورين حاضرين في ذاكرة الناس ومتاحين عبر وسائل الأرشفة والحفظ المختلفة.
وامتد صوت أيوب عاليا بواسطة العقد من أناشيده الوطنية، ونزلت الأنشودة إلى الناس عبر شريط الكاست إبان بدأ ظهوره، وبثها التلفزيون، وتناقلتها الإذاعات المحلية على نطاق واسع، فتقبلتها مختلف الشرائح الوطنية آنذاك بقبول حسن، خاصة وأنها زامنت فترة تعاظم المد الوطني أثناء حكم الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله، ولاقى ألمبدع أيوب صنوفا من التكريم من جمهوره ومحبيه تقديرا لهذه اللوحة الخالدة، وبزيارة الرئيس الحمدي لمدينة تعز، كان من أولويات مهام هذه الزيارة تكريم العملاق أيوب، فاستدعاه إلى منتزه المسبح، حيث استقبله بحفاوة وتقدير، مشيدا بإبداعه عموما وبهذه الأنشودة على وجه الخصوص، ثم أمر له بمكافأة قدرها خمسة آلاف ريال ويومها كان للريال عظمته وقوته .
وظلت هذه الأنشودة حاضرة في وجدان الناس، غير أن ما أكد حضورها بشكل أكبر اختيار مقاطع منها من قبل النظام في الجنوب سلاما وطنيا لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، ثم كانت المحطة الأكثر تكريما لهذه الأنشودة حين اختيرت عام 1990 نشيدا وطنيا لدولة الوحدة، بتوافق تام من شركاء الوحدة.
وسوف يظل هذا الحداء الخالد منحوتا في ضمير الشعب وجدار الوطن، يعبر عن عظمتهما، ويشير إلى شاعر متفرد وفنان مقتدر تغنيا في محراب الوطن فمنحهما الخلود والحضور المتجدد.