"ميدان السبعين" بالعاصمة صنعاء، بعد 8 سنوات من سيطرة الحوثيين لم يعد يشبه اسمه، وقبر الجندي المجهول أصبح على هامش قبر القيادي الحوثي صالح الصماد الذي تحول إلى مزار لالتقاط الصور لأنصار الحوثيين، لقد تغيرت ملامح الميدان كلياً وأصبح بهوية ممسوخة ومشوهة من ألوان الحوثيين وشعاراتهم.
في انكشاف سريع أمام اليمنيين، لم يدم التستر طويلاً لميلشيات الحوثي في عدائهم لثورة 26 سبتمبر 1962، والتي على إثرها قامت الجمهورية، والتي تعد التضاد الأساسي مع الفكرة الحوثية التي تقوم على أساس سلالي وفكرة الحق الإلهي بالحكم، وهذا خارج التصور الأساسي للدولة الحديثة التي تحمي الشعب لا الحاكم.
حرص الحوثيين منذ بداية ظهورهم على إخفاء طابعهم الامامي الطائفي المتعصب متسترين برداء الجمهورية والوحدة خوفاً من الحالة الشعبية التي ترفض العودة إلى زمن الوراء والكهنوت المظلم، غير أن الأحداث والوقائع التي توالت تباعا أثبتت لليمنيين ان جماعة الحوثي ماهي الا امتداد للإمامة فكرياً وثقافياً وسلوكاً في التعامل مع الشعب والدولة.
إلى الان وبعد ثمان سنوات من سيطرتهم على صنعاء، يتحدث الحوثيين بتصريحاتهم الرسمية عن ثورة 26 سبتمبر بتصالح وعدم إظهار عداء معلن، لكن ذلك يأتي في سياق عدم استفزاز الكتلة الأكبر من اليمنيين التي ترفض ذلك بشكل مطلق، رغم ان الممارسات والسلوكيات هي ذاتها التي كانت تمارس في زمن الإمامة.
محاولة طمس المعالم الجمهورية
يبرز "ميدان السبعين" كأهم المعالم المرتبطة بمناضلي ثورة 26 سبتمبر 1962، والذي يحاول الحوثيين طمس معالم الجمهورية، رغم أنهم فشلوا في إعادة تسميته حيث أعلنت بعض وسائل اعلامهم إطلاق تسمية مختلفة في فترات مختلفة خلال السنوات الماضية، ويشمل الميدان أيضا مجسم الجندي المجهول، تخليدا لشهداء الثورة ضد الإمامة قبل ستين عاماً.
وسُمي الميدان تخليداً لذكرى شهداء 26 سبتمبر أثناء حصار الإمامين لمدينة صنعاء، ما بين أواخر نوفمبر 1967 ومطلع فبراير 1986، عقب انسحاب القوات المصرية من اليمن، حيث حاولت قوات الملكيين السيطرة من جديد على صنعاء وحاصروها 70 يوماً، والذي فشل بعد صمود أسطوري للثوار اليمنيين استطاعت إفشال هجمة الإمامين.
في العام 2018 دفن الحوثيين القيادي الحوثي صالح الصماد بعد مقتلة في الحديدة بغارات للتحالف العربي، في ميدان السبعين وبنو له مجسم كبير في قلب الميدان الواسع، والذي تحول إلى مزار لأنصار الحوثيين، وخصصوا له حراسة وإنارة، في عملية تضخيميه واسعة تهدف لطمس معالم ثورة 26 سبتمبر، في إعلان انتصار وهمي على معالمها الراسخة في وجدان اليمنيين.
وفي المتحف الحربي بصنعاء الذي يضم مقتنيات وصور ووثائق لثوار 26 سبتمبر، عمل الحوثيين على استهدافه بشكل ممنهج في نهب المعروضات الموجود بالمتحف بالإضافة إلى وثائق تاريخية عن الثورة، وتم استبدالها بصور قيادات ميلشيات الحوثي الذي قتلوا خلال السنوات الماضية، في حالة تكشف السلوك الممنهج ضد الجمهورية بشكل عام.
هوية طائفية بدلاً من الثورة
ومنذ عاميين تحديداً بدأت ميلشيات الحوثي بحملة واسعة لتغيير أسماء المدارس الحكومية وبعض المؤسسات الأخرى كالمستشفيات وغيرها، وكان التركيز الأساسي على المدارس التي تحمل الأسماء المرتبطة بالتأريخ اليمني وخاصة ثورة سبتمبر، حيث وضعت بدلاً عنها أسماء من التراث الطائفي للحوثيين أو قتلى من قياداتهم.
في إبريل 2020، صدر قرار حوثي بتغيير أسماء خمس مدارس حكومية في محافظة صنعاء كما يلي: - مدرسة "خالد بن الوليد" إلى "الإمام الهادي" مؤسس الزيدية باليمن، ومدرسة "عمر المختار" إلى "على بن الحسين"، مدرسة "الفاروق" إلى "الإمام زيد بن علي"، مدرسة "بابل" إلى "21سبتمبر"، مدرسة "عثمان بن عفان" إلى "مالك الأشتر". كما تم تغيير اسم "مدرسة الشهيد علي عبد المغني"، قائد الضباط الأحرار ومهندس ثورة 26 سبتمبر، إلى "مدرسة الحسن بن علي" في مديرية بلاد الروس جنوب امانة العاصمة صنعاء.
وفي مايو 2021 أعلن الحوثيون بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) تغيير اسم 12 مدرسة دفعة واحدة في مديرية "الشاهل"، وفي أكتوبر 2020، تم تغير أسماء 7 مدارس في مركز المحافظة بمدينة حجة، وفي فبراير 2020، تم تغيير اسم مدرستين هما: "مجمع الصالح الثانوي للبنين" إلى "مجمع الشهداء"، و"مدرسة الثورة للبنات" إلى "مدرسة فاطمة الزهراء" بمديرية جبلة بمحافظة إب.
ويرى الباحث والمحلل السياسي اليمني، عبد السلام محمد "أسباب اقدام الحوثيون على هذه الخطوة، محاولة الحوثيين لطمس هوية اليمنيين وعلى رأسها ثورة 26 سبتمبر التي أسقطت حكم الإمامة"، وأضاف: "إن هذا يؤكد أن حركة الحوثي هي امتداد للإمامة، مع تغليفها بدعاوي مناطقة ومذهبية بدعم إيراني".
وقال "يشعر الحوثيون برعب ثورة 26 سبتمبر، فكان أول إجراء لهم اختيارهم ليوم من أيّام سبتمبر، لإعلان إسقاط صنعاء، محاولة لتزييف وتغيير وعي اليمنيين، ثم بدأوا بتغيير مسميات الشوارع التي لها ارتباط بالقادة الوطنيين الذين وقفوا ضد الإمامة وهزموها".
الحوثية والإمامة والغدر بحلفائهم
ويجد المؤرخون ان هناك تشابه حد التطابق بين طريقة الائمة بيت حميد الدين في التعامل مع القبائل والمواطنين اليمنيين، من خاصمه منهم ومن والاه، وطريقة الحوثيين، فكلا الطريقتان تتمثلان في المبالغة بالانتقام والوحشية في القتل، وهدم البيوت، ونهب الأملاك، حتى مع اتباعها عند تغير العلاقة معهم مهما يكن حجم ما قدموه من خدمات.
ففي فبراير 2021 قتل الحوثيين الشيخ مصلح الوروري بحرف سفيان، وفي جريمة مشابهة في يوليو 2019 قتل الحوثيين مجاهد قشيره وتم سحلة في الشوارع من قبل الحوثيين في عمران (شمال اليمن)، وهؤلاء هم من المشائخ القبليين الذين ساندوهم خلال حروبهم مع الدولة وصولاً الى سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وقبل ذلك مقتل الرئيس السابق على عبد الله صالح بطريقة بشعة في منزلة والتمثيل بجثته في مطلع ديسمبر 2017، وهذا ليس بغريب عن تاريخهم اليوم والأمس منذ أيام عبد الله بن حمزة ويحيى بن الحسين الرسي، ومن جاء بعدهم من ال حميد الدين.
وتشهد الوقائع التاريخية ان كلا الجماعتان "الائمة والحوثيون" اشتهرتا بنكران جميل الاصدقاء والموالين بعد انتهاء الحاجة إليهم، فعلى سبيل المثال، يذكر التاريخ ما قام به قائد جيش الإمام عبد الله الوزير بنهب منزل عبد الوهاب نعمان، رغم أن الأخير كان أبرز قادة الإمام عند مهاجمة قلعة المقاطرة، لكن ضرورة كسر شوكته اجتماعياً استدعت نهب أمواله.
وحسب مؤرخين كان الامام يحيى حميد الدين، يصف المقاتلين القبليين الذين جلبهم لقتال أبناء المقاطرة بـ(المجاهدين)، ثم وصفهم لاحقاً بـ"أنصار الحق"، وهو نفس التوصيف الذي وصف به الحوثي مقاتليه في صعدة واشتهروا به محلياً (المجاهدين)، قبل أن تطلق الجماعة على نفسها اسم أنصار الله، وهي تسمية وصف بها الإمام أحمد أتباعه في رسالته للوزير بعد ثورة ٤٨.
فرض القتال وثقافة موحدة
ولم تترك جماعة الحوثي وسيلة لقهر اليمنيين إلا واستخدمتها حتى لو كانوا في الجيش الذي يعتمدون عليه في بقاء الانقلاب، وهي السياسة نفسها التي استخدمها الائمة من قبل، فكما يفرض الحوثيون دفع مبالغ مالية بمسمى (المجهود الحربي) على من لا يدفعون بأبنائهم إلى جبهات القتال، بالإضافة إلى فرض مبالغ مضاعفة على التجار وأصحاب الأموال.
ويقول مؤرخون ان الامام يحيى فرض التجنيد الإجباري على أبناء القبائل، وفرض غرامة قدرها 100 ريال فرانص على كل شخص معاق أو عاجز عن التجنيد، لإعفائه من التجنيد، بينما كان راتب الجندي كبير السن أربعة ريالات، وراتب الجندي صغير السن ريالان فقط، أي أن الغرامة تعادل راتب الجندي الكبير لمدة 25 شهراً، وراتب الجندي الصغير لمدة 50 شهراً، وكان يستقطع منها ريالاً كل شهر ثمناً للبدلة التي تصرف للمجند وثمنها 12 ريالاً.
بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة شكل الحوثيون "اللجان الشعبية" وأيضا "المشرفين" ككيان موازٍ للجيش وموظفي الدولة حتى بعد سيطرتهم عليه، في المقابل وزمن حكم الامامة شكل الإمام "الجيش البراني" الذي نافس الجيش النظامي لأنه لا يريد له أن يكون قوياً لدرجة يمكن أن يمثل فيها تهديداً له، كما أن الفرد من الجيش البراني كان يمارس أعمالاً إرهابية ضد المواطنين.
فرض الحوثيون على أفراد وضباط الأمن تحديداً الاستماع إلى محاضرات زعيمهم عبد الملك الحوثي وتم الحاقهم بما تسمى بـ"الدورات الثقافية" لتدريسهم منهج ثقافي طائفي تابع للجماعة، وفي زمن حكم الامامة كان هناك ما تسمى بـ"مادة الأدب"، يتم خصم قسط يوم كامل من راتب الجندي إذا تأخر عن الدعاء للإمام في الفترة المسائي، وإذا قتل الجندي في المعركة تدفع اسرته ثمن البندقية.
الإقطاعية والرهائن
الحوثيون اعادوا احياء النظام الإقطاعي الذي عرف به عهد الائمة، بالذات في محافظة الحديدة، وقالت مصادر محلية في محافظة الحديدة، بأن ميلشيا الحوثي صادرت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة قرب الأودية التهامية بهدف تأجيرها أو منحها لمستثمرين تابعين للمليشيا، من محافظات عمران وحجة وصعدة، وبمقابل زهيد.
وهذه الممارسات شبيهة بالنظام الإقطاعي للأئمة الذين استولوا على القيعان والأودية الخصبة في المرتفعات ثم منحوا المقربين منهم أراضي شاسعة في تهامة، ووفق مصادر مطلعة: "فإن هناك فتوى حوثية متداولة شفهيًا تجيز لقياداتها استباحة ومصادرة الأراضي في المناطق الشافعية بالسهل التهامي".
وأعاد الحوثيون تطبيق نظام الرهائن والذي كانت تفرضه الأنظمة الأمامية الكهنوتية على أبناء الشعب اليمني سابقا لفرضه مجددا على أبناء قرية "خبزة" في محافظة البيضاء"، عندما نجحت وساطة قبلية في يوليو الماضي، في إيقاف هجوم مليشيا الحوثي على قرية "خبزة" بعد التوصل معها إلى اتفاق قضى بتسليم 10 أشخاص من وجهاء المنطقة كرهائن للمليشيا مقابل وقف الحصار والقصف على القرية".
وتتشابه ميلشيات الحوثي مع الإمامة حد التطابق في السلوكيات والممارسات وهي امتداد فكرى للكهنوت، لكن ربما يتفوق الحوثي في خدمة الأجندة الخارجية أكثر من الإمامة، حيث يعد إحدى الأذرع الإيرانية التي تضمر العداء التاريخي لليمنين والعرب إجمالاً.