ثمة توجه كبير يعتمل اليوم في الساحة اليمنية بوتيرة عالية. يهدف إلى تغييب الوعي، وإشغال عامة الناس وخاصتهم بمعارك جدلية تثار هنا وهناك واحدة تلو أخرى بواسطة أسماء لامعة ـ أو ملمّـعة ـ تتبنى إنتاج قضايا جدلية في أمور تافهة لا العلم بها ينفع ولا الجهل بها يضر، فلا تطفو واحدة من هذه القضايا التافهة إلا وتسابقت هذه الأسماء إلى شب النار تحت قدورها وإثارتها بكل الطرق والوسائل. ثم لا يهنأ لهم بال حتى تصبح هذه القضايا مثارا محتدما يشارك فيه العامة متمترسين خلف مواقف تستهلك فيهم الوعي والوقت، فإذا ما هدأت ثائرة قضية ما؛ انطلق الجدليون في موكب قضية جديدة إيمانا منهم بأن إثاراتهم المتتابعة ليست سوى فخ ينصبونه لإبعاد الناس عن النظر في قضاياهم المصيرية وأن هذا الفخ ينبغي أن يستمر حتى تتحقق أهداف القوى التي تقف خلف إثارة هذه الزوابع داعمة إياها بسخاء حتى يعلو الضجيج وتغيب الرؤية ليحلو لها تنفيذ أجندتهم بأريحية مطلقة.
إن اليمن اليوم يمر بمنعطف خطير. وهو أحوج ما يكون إلى وعي أبنائه ويقظتهم للوقوف دون تمرير المشاريع المشبوهة التي تستهدف سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه.
وفي اللحظة التي تكون فيها الحاجة ملحة لهذا الوعي ترتفع أصوات طواحين الجدل مصمة للآذان في قضايا هامشية يراد من إثارتها صرف الأنظار، وتفريغ الطاقات عبثا، وتغييب الوعي، والموجع المبكي في هذا الأمر أن تقع في هذا الفخ أقلام جادة ونظيفة، ولها رصيد وطني حافل.
إن على المثقفين اليوم بمختلف مواقعهم الفكرية والأيدلوجية واجبا كبيرا في توعية الناس بواقعهم وبما يحاك من مؤامرات تتسلل بخبث تحت غبار قضايا جدلية تافهة. كما أن من واجبات هذه الأقلام الشريفة فضح طواحين الجدل، وكشف تفاهتهم، واستعادة الناس من مربعات الفوضى والعبثية التي يختلقونها بين الحين والآخر ويحشرون الناس إليها دون وعي إلى جادة الطريق وإلى ميادين الوعي. حيث يقفون مع الوطن ومع قضاياه العادلة، يغضبون لغضبه ويعيشونه فكرة ثابتة لا تقبل الإقصاء والتغييب والتهميش، موقنين عين اليقين أن تكثير سواد الجدليين خذلان للوطن وخيانة له. وأن واجب الوقت يفرض عليهم تبتلا يقظا في محراب الوطن والانقطاع التام إليه، وتقديمه عن كل ما سواه.. تلك هي القضية.