ليس في السياسة أخلاق، هكذا هو مؤدى ميكافيللي، و مثله قال أحد وزراء الخارجية البريطانيين - يوما- عندما نسب إليه قول بأن للسياسة أخلاق، فرد بنفي قاطع، قال فيه : أنا لم أقل أن للسياسة أخلاق..!!
على نفس المنهج ، و في فرنسا، قال أحد مسؤوليها : الأخلاق السياسية حيث تكون مصلحة فرنسا ؛ لكن فرنسا حين سحب منها حليفان من حلفائها ( بريطانيا و أمريكا ) صفقة الدبابات التي كانت تعاقدت بها مع دولة أستراليا؛ ثارت ثائرة فرنسا و أنها طعنت في الظهر، و لم تتعامل بالأخلاق السياسية التي عرّفتها..!!
قبيل أن يصل الرئيس الأمريكي بايدن إلى المملكة العربية السعودية طيّر تصريحا رددته و سائل إعلام غربية و عربية : لابد من إصلاح أخطاء الماضي في العلاقات مع الحلفاء في الشرق الأوسط..!!
و مضى الرئيس الأمريكى يؤكد بأنه لن يترك فراغا وراءه في الشرق الأوسط بحيث تملأه روسيا و الصين، و إيران.
قبل أن تعلق هذه السطور على مقولة عدم ترك فراغ، دعونا نقول إن من يدير ظهره لصديق أو حليف بزعم الاستغناء عنه، أو سوء تقدير، أو أجندة مشبوهة ، أو فليقل القارئ ما شاء؛ لا بد و أن يترك وراء ظهره فراغا، و لا بد و أن ينكشف ظهره قريبا أم بعيدا، فتقلبات الأيام، و تبدل الظروف ليست حبيسة ( الريموت كنترول) لأية دولة من الدول التي تعتقد أنها قد بلغت من القوة أقصاها، أو من التمكن ذروته، و أنه لا بد آتيها احتياج أو ضعف من حيث لا تدري، و من حيث أعماها عنه الغرور .
هناك أبعاد معنوية أو مادية ؛ إيمانية أو ظرفية، تتغافل عنها غطرسة القوة، و لا تلتفت لها نزعة الكبر أو الغرور ؛ فيأتيها ما لا تحتسب من حيث لا تحتسب..!!
من يدير ظهره لصديقه بزعم الاستغناء، أو بدافع الغرور ؛ فإنه لا بد و أن يترك فراغا ، و ليس بالضرورة أن ينتظر المغدور لمن سيأتي ليملأ الفراغ، و إنما هو من سيذهب للبحث عن صديق أوفى، أو أصدقاء أوفياء ، بل إن ذلك يحفزه لتعزيز اعتماده على نفسه ، و قد يتضرر المغدور، لكن الذي يتخلى عن صديقه أو أخيه يدفع هو الآخر ثمنا ، وربما يدفع ثمنا أكبر..!!
و لك أن تقول دعك من التمسك بمعيار الوفاء و الأوفياء، و الإيمان و المؤمنين؛ فعالم النفاق السياسي الذي كرسته و رسخته السياسة الاستعمارية، و ما نشرته من ثقافة، جعلت العلاقات تقوم على المصلحة، و المصلحة فقط.
نزعة الاستكبار، و غرور الاستغناء يوحيان لصاحبهما أن لا ضرر من إدارة الظهر للصديق، و أن لا مصلحة له عنده؛ و ذلك بدافع غرور القوة التي يمتلكها، و الظروف السانحة التي يظن دوامها ، فيمكر بسخرية، و يستغني باستعلاء، و يتعامل بكبرياء معتقدا بأن أزمّة الأمور في درج مكتبه، و مسارها طوع إرادته ، لكنه - حتما - يقف يوما وجها لوجه أمام مغبة أخطائه.
يحتاجُ حاجة ً ماسة أستاذ الجامعة لعامل النظافة، كما يحتاج عالم الذرة لعامل السباكة، و مثلهما تحتاج دول ( الفيتو ) لبرميل النفط، أو المتر المكعب من الغاز من لدى دولة نامية، لا تمتلك حاملات الطائرات، و لا تنافس في حرب النجوم في يوم تتقلب فيه الظروف، و تتغير أحوال السياسة ، و ينقلب مسار الصراع رأسا على عقب.
أما التخويف بإيران ؛ فإنها ليست ممن يملأ فراغات، و إنما الذي أدار ظهره هو من أظهرها بدافع خفي أو غرض مقصود .. أو على غرار إيران جت ؛ ليخوف بها هنا ؛ أو يرعب بها مَن هناك.
على العرب أجمعين أن يستيقنوا جيدا أنهم وحدهم من يستطيعون حماية أنفسهم، و ليست المعاهدات، و لا الوعود، و أن الطريق التي سلكها آخرون لامتلاك القوة، عليهم - و هم - بوحدتهم- يشد بعضهم بعضا - أن يسلكوا الطريق نفسه لاكتساب القوة الذاتية، التي تغنيهم عن مواطِن الغدر، أو مواقف الابتزاز .
أما روسيا و الصين فمن حق من يشعر بالحاجة أن يعزز علاقاته بهما، و أن يتبادل معهما المصالح، و أن لا يرتهن في علاقاته لخيار واحد، كمن يجعل بيضه في سلة واحدة ، كما يقال، و السعيد من يتعض من تجارب الآخرين، و الأذكى من يستفيد من تجارب نفسه..!!