"لم نعد نفكر في شراء الأضحية وملابس العيد، هذه الأشياء أصبحت بالنسبة لنا بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة حلما بعيد المنال، وهذه الأيام نبذل جهداً فوق ما يتخيله العقل لنوفر قيمة الغذاء الأساسي الذي يبقينا على قيد الحياة".
بهذه الكلمات يصرخ مواطن يمني في صنعاء معبراً عن الحال التي وصل إليها الناس في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي على الاقتصاد المحلي وعبثهم بمقدرات البلاد والعباد.
ويلاحظ المار هذه الأيام في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء المحتلة منذ ثمان سنوات، امتلاء الأرصفة بالشباب العاطلين عن العمل ذوي البطون الخاوية والنظرات البائسة مع اقتراب موعد عيد الأضحى المبارك.
المطبخ فاضي
وبحسب دراسة نشرها مركز الإصلاح الديمقراطي فقد أدى هذا الوضع إلى تزايد أعداد الآباء الذين يوافقون على ذهاب أبنائهم الى الجبهات بسبب ضيق الحال طمعاً في الحصول على كيس دقيق وحفنة من المال قد لا تكفيهم لأسابيع فضلا عن شهور.
وقالت الدراسة الصادرة عن المركز منتصف مايو الماضي إن :"من بين كل عشرة آباء يوافق ثلاثة منهم على تسليح ابنه وذهابه للقتال في صف الحوثي ليس إيمانا بمعتقداته ولكن لأسباب اقتصادية بحتة، وهي نسبة كبيرة جداً توضح أن ما يقارب ثلث اليمنيين يبيعون أطفالهم للموت في سبيل إطعام باقي أفراد الأسرة".
وحسب الدراسة الصادرة عن المركز فإن 68٪ من الذاهبين للجبهات بموافقة أهاليهم هم من الأطفال دون سن 17 سنة.
ويؤكد ذلك ما قاله مواطن من صنعاء يبلغ من العمر 43 عاما" للصحوة نت " إنه شعر بقلبه يفارق جسده عندما ودعه ابنه ذو الـ15 عاما قبل ذهابه إلى الجبهة، وأنه لم يكن يوافق على ذهابه لولا أن "المطبخ فاضي" وأريد أن أطعم باقي الأولاد" وقد وعده المشرف براتب شهري يصل إلى سبعين ألف ريال، حسب وصفه.
صرنا وحوش
يذرف "عبدالله" دموع الألم وهو يتذكر ولده "حمزة" الذي يبلغ 15 سنة قبل صعوده على متن الطقم ذاهبا للقتال.
يقول :" لم اتوقع انني في يوم من الأيام سوف ارمي بولدي إلى الموت بيدي مقابل ثلاثين ألف ريال كل شهر، أنا أعرف أن ولدي قد لا يرجع ولن أراه مرة أخرى إلى الأبد، لقد اخرجتنا هذه الميليشيات حتى عن انسانيتنا وصرنا مثل الوحوش، بل أسوء من الوحوش لأن الوحوش تضحي بحياتها لحماية أولادها وتلقي بنفسها في الخطر في سبيل بقاء الصغار".
وقد يمتد ضرر التضحية بالأبناء ليصل إلى حد تدمير البيوت وانفصال الزوجين كما حدث مع" رحمة" التي طلبت من زوجها الطلاق بسبب موافقته على ذهاب ابنه المراهق إلى الجبهة تحت ضغط الفقر، لكن ابنها قتل بعد ذهابه بأسبوعين ولم تتمكن حتى من مشاهدة جثته.
تقول الأم المكلومة: "ضحكوا على زوجي السابق واوهموه أنه في دورة تدريبية وسيعود بعدها لشغل عمل إداري في صنعاء ووافق بسرعة لكن قلبي لم يكن مرتاحا، الشباب في سن ابني لا يحتاجونهم للأعمال الإدارية بل للموت، لقد خسرت ابني وزوجي بسببهم الله ينتقم منهم ويريني فيهم أشد العذاب ".
دية ابني
ولم يتمالك" ناصر" نفسه عندما سمع خبر مقتل ابنه في جبهة مأرب، فانهار فاقدا الوعي وأصيب بحالة نفسية شديدة وأصبح البكاء رفيقه الذي لا يفارقه في الليل والنهار.
يقول :" استلمت دية ابني الذي القيته للموت بيدي وشجعته على الالتحاق بصفوف القتلة الحوثيين، اعطوني بعد مقتله كيس دقيق ومائة ألف مراسيم إقامة العزاء وانتهى كل شيء".
ويضيف :"خسرت ابني الذي كان سندي في الحياة وأملي في مستقبل افضل، كنت كل عام اضحي برأس غنم في عيد الأضحى وهذا العام ضحيت بولدي لكي يعيش الحوثي في الكهف ويلقي الخطابات، ولكي يتنعم المشرفين بالمليارات ويشتروا الفلل والقصور والأراضي".