من المفارقات العجيبة في اليمن أن أبرز المؤشرات لقدوم العيد: سواء كان عيد الفطر أو عيد الأضحى ما تشهده الأسواق من ارتفاعات حادة في أسعار لوازم العيد، سواء كانت موادا أساسية أو كماليات، وكأن تجارنا الأكارم يستكثرون على المواطن المسكين أن يكون له يوم أو يومان في العام يفرح بهما، فانبروا يضعون المكدرات والمواجع حتى يصل العيد إلى هذا المواطن أو يصل المواطن إلى العيد بحقائب فارغة من الفرح خالية من البشارة.
ولأن المواطن قد تخلّى منذ سنوات عن حلويات العيد وعصائره؛ فقد بقيت الغصة مستمرة في كسوة العيد، وخاصة لدى الأطفال الصغار الذين لا يحصل السواد الأعظم منهم على ثياب جديدة إلا في العيد، ومن هنا فإن الأسر الفقيرة ـ والشعب اليمني أصبح كله تقريبا تحت خط الفقر ـ تجد صعوبة كبيرة في توفير كسوة العيد للأطفال، بل إن هذه الكسوة أصبحت كابوسا ثقيلا يظل يلقي بظلاله الرعناء على مدى أشهر العام، فلاهي تستطيع توفيرها، ولاهي قادرة على إقناع أطفالها بالاستغناء عنها.
كما أن القدرة الشرائية لدى الغالبية من الناس قد استهلكت كلها في مجال توفير الأساسيات من المواد الغذائية، وهي المعركة الأم التي يديرها التجار برعونة بالغة خالية من الضمير ومن تقوى الله، وقبل ذلك خالية من الخوف من أي رقابة أو محاسبة رسمية، فقد نام المسئولون وتركوا الحبل على الغارب للتجار يلعبون كما يريدون، فلم يعد المواطن يعني لهؤلاء المسئولين غير رقم ميت، وكرة مشاعة تتقاذفها رياح المنظمات أنّى شاءت، ومالم يلقه المواطن من ذل ومهانة على أبواب المنظمات يلقه لدى التجار غلاء واحتكارا واستغلالا وجشعا.
لقد بلغ السيل الزبى وتجاوز الأمر حده، ولم يعد في قوس الصبر ثمة منزع، ولم يعد المواطنون يحلمون بالمدينة الفاضلة تغدق عليهم أنهار السمن واللبن، إنهم ـ لبؤسهم وقنوطهم ـ ليتألمون من هذا الوضع الكارثي البشع، ويتمنون لو بقي كما هو دون زيادة، فكل التطورات السياسية لم تنجب غير زيادة في الغلاء وتعقيد للأوضاع وضياع للوطن والمواطن، ومن هنا فإن سخطا شعبيا يتململ جمره تحت الرماد ومالم يقض المسئولون على سعار الجوع أو يعملون على التخفيف منه، فإنهم هم والتجار والمنظمات سيصبحون طعام الجوعى فلم يعد لدى هؤلاء المظلومين ما يخسرونه بعد أن فقدوا كل شيء.. كل شيء.. حتى فرحة العيد.