لا تصنع أماني القاعدين نتيجة، ولا تدرك غاية، ذلك أن إدراك الأهداف ليس بالتمني، كما أن طريق تحقيق الأهداف يجب ان تكون خالية من مشاعر الإحباط .
وما الأهداف إلا محصلة نهائية لمشروع تتسامى فكرته وضوحا، و تتألق أثرا وتأثيرا، ولا ينتصر هذا المشروع بمن ضاق به أفقه فامتلأت نفسيته سخطا، أو أحاط به يأس فسقط في أحابيل التذمر، أو تباهى غرورا فغدا منبوذا، أو غرق في الأثرة و الأنانية فصار وحيدا، فلا ينتصر هذا المشروع بهذه الصفات؛ وإنما ينتصر بصدق نية، وإخلاص عمل، وبروح جماعية تؤمن بالهدف، وتتعاون في السير المخلص نحوه، مستعينة بالله، متدرعة بالصبر والمصابرة ( ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .
حينها يصبح هذا المشروع رسالة تنهض بها قيادة، و يحملها معها مجتمع، لا ينوء بحملها، و لا يتردد في نشرها و التبليغ بها.
كانت البداية ل "إقرأ" في مكة المكرمة، فورمت أنوف الملأ من قريش، أن يتبعوا رجلا ليس من ذوي أسنانها، و لا من ذوي رجالات مالها، حتى قال قائلها( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) !
فالنفسية الباغية، والعقلية الطاغية، تزعم لنفسها مزاعم، وتدعي لذاتها مزايا تحصرها فيها.
كان من مزاعم أفضلية قريش في جاهليتها أنها في ألحج تقف بمزدلفة، مع أن الأصل الوقوف بعرفة، لكنها وهي تبحث عن مزية تتميز بها علوا واستكبارا، قررت أن تقف بمزدلفة تميزا عن سائر الحجيج.
وحين تحررت مكة المكرمة بالفتح المبين وفي العام العاشر من الهحرة، وهو العام الذي حج فيه النبي الكريم تطلعت قريش أن يبقي لها الرسول صلى الله عليه و سلم تميزها، لكنه عليه السلام نسف تلك الكبرياء المرذولة ، ووقف في عرفات.
هذه النفسية المتبجحة زورا، المستعلية كبرا و غرورا ، ورثها - اليوم - عن سفاهات قريش جماعة تدعي التشيع لعلي بن أبي طالب(رضى الله عنه) فراحت بعقلية مشركي قريش تزعم لنفسها المزاعم، بأكبر مما كان عليه كبر قريش وغرورها.
في مكة أعلنت قريش العداء الشديد، والبطش المَريد للرسول صلى الله عليه وسلم؛ طيلة ثلاث عشرة سنة، كانت كلها بطشا و أذى و اضطهادا.
خرج الرسول من مكة المكرمة مهاجرا بأمر من الله عز وجل، بعد عنت وعداء شديدين من المشركين ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي اخرجتك ....) محمد .
وكان هذا الإخراج بالقوة ممكن أن يكون مدعاة للإحباط أو التذمر والسخط، لكن هذا لم يحدث في صف الصحابة الذين صبروا وصابروا، فكان النصر وكان الفتح المبين، بعد معارك ومواجهات، دفاعا من بغي، أو انتصارا للحق والدين .
هل استعصت مكة عن قبول رسالة الإسلام إلى الأبد؟ كلا ، ثماني سنوات بعد الهجرة وفتحت مكة المكرمة أبوابها بعد تمنّع، و تتالت وفود الجزيرة العربية - بعد ذلك- تعلن إسلامها من كل الأنحاء.
كان ذلك- بعد توفيق الله عز وجل - بالصبر و المصابرة، والثبات والاستمرار، ولو أنهم استسلموا للإحباط والسخط و التذمر والتضجر، لالتهمهم الشرك وابتلعهم الإحباط، وهزمهم الطغاة.
لم تكن هجرة النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه مجرد فرار إلى مكان يأمنون فيه، وإنما كانت تحولا إلى مكان يشيدون فيه البناء ؛ بناء الفرد، وبناء المجتمع، وبناء الدولة.
ومن هنا انطلقت الحضارة، ومن المدينة مضى ركب الإيمان يهدي الجزيرة إلى الحق، ويهدي العرب إلى الصراط المستقيم.
وجاء اليوم الذي رفرفت فيه راية الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
لقد أخرج محمد صلى الله عليه و سلم رجالا، وبنى أمة ، فنهض هؤلاء الرجال، وقامت هذه الأمة بحمل رسالة الإسلام تبلغها عن نبيها امتثالا لما أمر الله به( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ).
إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت للعالمين، وكما واجهت هذه الرسالة، كفار قريش في بداية أيامه فانتصرت بإذن الله، واجهت عبر الزمن قوى طاغوتية على مر التاريخ من اليهود، والصليبيين، والمغول، والاستعمار، وانتصرت بفضل الله و بالمؤمنين( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين).
واليوم تواجه رسالة محمد كيدا وظلما وكذبا من أدعياء القرابة له، ممن يريدون ان يقولوا أن محمدا صلى الله عليه و سلم بعث لهم خاصة، ومن أجلهم فقط، ويتمادون في الزعم والخرافة إلى أن يقولوا : أنهم ورثته الذين يجب موالاتهم وتسليم الرقاب والأموال لهم، وأن الله خوّلهم الحكم، وأصبح الحق الإلهي في الحكم لهم.
أي خرافة و كذب و افتراء يقولونه، و الحكم منذ أن لحق الرسول بربه قام على الشورى باختيار أبي بكر ومن بعده عمر، فعثمان، فعلي ، فالحسن رضي الله عنهم أجمعين، ولم يقل أحد أن الحكم لعائلة أو سلالة، أو أسرة، ولو كان كذلك لما تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة، ولما سكت قبله عنها علي وهو الشجاع النبيل.
إن الأهداف لا تتغير ، و لا تتبدل، و المبادئ راسخة، لا تتحول، و كما أن العدل والحرية والمساواة مبادئ أصيلة، فكذلك الشورى مبدأ أصيل من مبادئ هذا الدين الحق.
وإذن فالانتصار لهذه المبادئ هو انتصار للدين الحق، وتحرير للأرض والإنسان من ضلالات المبطلين، وجور الظالمين، وادعاء المدعين .
وواجبنا الاصطفاف خلف هذه المبادئ حتى لا تكون فتنة، و إنما تكون العدالة و الحرية و الشورى و المساواة ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ، ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).