على أرصفة الشوارع الرئيسية ومداخل الأحياء السكنية لمدينة الحديدة، يبسط الأهالي جنوبهم المتعبة للنوم عند كل مساء، هربا من الحر القائض داخل مساكنهم، بسبب استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء، في المحافظة التي تستطر عليها مليشيات الحوثي الانقلابية وتواصل نهب إيراداتها المقدرة بالمليارات.
وتسبب ارتفاع الحرارة بانتشار الطفح الجلدي لدى الأطفال والنساء ووفاة العديد من كبار السن إثر الارتفاع الكبير لأسعار خدمة الكهرباء الخاصة وعبث مليشيات الحوثي في محطات الكهرباء الحكومية.
أسعار خيالية
ومع وقعة لسعات الحرارة المرتفعة التي يكتوي بها أبناء الحديدة، يظل لهيب أسعار فواتير استهلاك الكهرباء التجارية أشد وقعا من حر الصيف، فيما تذهب مليشيات الحوثي بمقدرات المحافظة ووارداتها من الميناء بعيدا كل البعد عن توفير أبسط متطلبات واحتياجات الأهالي وهي الطاقة الكهربائية.
ويعاني سكان الحديدة البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، من انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، إذ تصر مليشيات الحوثي على احتساب سعر الكيلو الواحد بـ400 ريال، في ظل وضع معيشي متردي، وموظفون دون رواتب منذ سنوات.
وتؤكد مصادر مطلعة أن كميات المازوت المتوفرة على متن الناقلة "Fos power" تبلغ نحو 22 ألف طن، وبإمكانها تغطية احتياجات المحافظة من الطاقة، لكن مليشيات الحوثي تذهب بمعظمها إلى مصنع اسمنت عمران، ومحطة كهرباء حزيز في صنعاء.
ولم تكتف مليشيات الحوثي ونافذيها أبرزهم المدعو أحمد العليي المنتحل صفة وزير الكهرباء ونائبه المدعو عبد الغني المداني، بنقل الطاقة الكهربائية إلى خارج المحافظة وترك الناس يتجرعون المعاناة، بل قاموا بتحويل طاقة محطة راس كثيب البالغة نحو 15 ميجاوات إلى صنعاء، وترك سكان الحديدة للموت والمعاناة.
ووفقاً لمصادر مطلعة لم يكن العليي إلا واجهة لفساد المداني الذي كان يتحكم بملف الكهرباء في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، كما أنه الشخص المسؤول عن إدارة 200 محطة توليد تجارية في الحديدة وأمانة العاصمة، إلى جانب المحطات الحكومية.
نهب المليارات
ورغم عملية الاحتيال الحوثية التي أطلقتها تحت زعم دعم قطاع الكهرباء من أجل إيصالها للمواطنين مجانا، تحتفظ مليشيات الحوثي بنحو 17 مليار ريال ضمن صندوق دعم الكهرباء المنشأ حديثا.
ويستحوذ الصندوق الذي يتولى فيه منصب رئيس مجلس الإدارة، منتحل صفة نائب رئيس الوزراء، وزير المالية، رشيد ابو لحوم على ذلك المبلغ المقدر بنحو مليون دولار.
وقدرت مصادر مطلعة الأموال التي تدخل "صندوق دعم كهرباء الحديدة" بـ 30 مليون ريال يوميا من الموانئ الثلاثة، فيما جنى الحوثيون أكثر من 3 مليارات ونصف فقط من سفن الوقود الذي دخلت بموجب الهدنة الأممية لصالح دعم الكهرباء وذلك خلافا لرسوم الجمارك المخصصة للرواتب.
كما نهب الحوثيون أكثر من 4 مليارات و800 مليون بغطاء إنشاء محطة توليد كهربائية في الفحم بمنطقة "رأس عيسى" شمال الحديدة.
ويتساءل الأهالي عن مصير تلك المبالغ ولماذا لم تخصصها مليشيات الحوثي لدعم قطاع الكهرباء للمواطنين، لاسيما الأسر الفقيرة التي بالكاد تستطيع توفير غذائها الرئيسي.
ويرون أن مليشيات الحوثي التي تقوم بإيصال التيار بالمجان لقياداتها القادمة من صعدة وصنعاء، وكذا للمناطق المغلقة التي تسمي بيوت المجاهدين، على مدار الساعة، تمارس عملا تمييزيا بإهمالها للمدنيين الغير قادرين على دفع فواتير الاستهلاك المرتفعة.
مستشفيات بلا كهرباء
ولم يقتصر الإجرام الحوثي على حرمان المواطنين من الكهرباء في مساكنهم فحسب، بل طال الأمر مرفقا مهما وهو مستشفى الثورة، أكبر مستشفيات الحديدة فضلا عن مركز الغسيل الكلوي الأكثر احتياجا للتيار الكهربائي، دون مراعاة لحياة المرضى، مما قد يتسبب لهم بموت محقق.
وأفادت مصادر محلية، بأن لجاناً من كهرباء الحديدة على متن أطقم حوثية، وزعت فواتير الكهرباء على المنازل، لتتفاجأ الأسر بتسعيرات وصلت حتى الـ200 ألف، ما وصفوه بالمبالغ الخيالية كعقاب حوثي على حملة المطالبة بالكهرباء.
وقال ناشطو وصحفيو الحديدة، كان قيمة الكيلو الكهرباء 100 ريال ولا يستطيع غالبية المواطنين تحمل تكاليفها، فتعذروا بانعدام المشتقات النفطية ومنع دخول السفن، وقفزة واحدة رفعوها إلى 400 ريالا للكيلو وأصبحت خدمة الكهرباء شبه مستحيلة للمواطن.
تمويل الحرب
ولم يكتف الانقلابيون بممارساتهم اللا إنسانية ضد ابناء الحديدة، بل إنها تقوم بتنفيذ حملات اقتحامات و اعتقالات للمواطنين بحجة الكهرباء الفاقد، وسرقة التيار الكهربائي.
ويعبث الانقلابيون بـ9 محطات حكومية تصل قدرتها الإنتاجية لنحو 377 ميجاوات تخضع لسيطرتهم، وتقع أكبرها في محافظة الحديدة وهي محطة "رأس كثيب" البخارية التي تصل قدرتها إلى 160 ميجا وات.
ويستغل قادة مليشيات الحوثي هذه المحطات في الإثراء الشخصي والتمويل العسكري للجبهات وذلك بفرض تسعيرة خيالية على تعرفة الكهرباء هي الأغلى في العالم رغم تدفق الوقود بموجب الهدنة الأممية، وفق خبراء.