لم يعد أحد يدري شيئا عن الأساس الذي بموجبه يضع التجار في مناطق الشرعية تسعيرتهم للمواد الاستهلاكية عموما والغذائية منها بشكل خاص، خاصة بعد أن ثبت أن العلاقة بين ضعف الريال وقوته وبين هذه التسعيرة لا تقوم على منطق مطّرد حال الرفع أو الخفض، بل إن التجار ليتعاملون مع ارتفاع قيمة الريال وانخفاضه بطريقة حولاء تشف عن انتهازية مقيتة، فإذا ما انخفض سعر الريال شبرا؛ رفعوا الأسعار باعا، وإذا ارتفع سعر الريال باعا؛ انقصوا من تسعيرتهم شبرا، وكمثال بسيط على هذه الانتهازية المتربصة، فإن كيس الدقيق كان سعره في بعض المحافظات الجنوبية خمسة عشر ألف ريال يوم كان صرف الريال السعودي حوالي مئتي ريال يمني، ويوم أن ارتفع صرف الريال السعوي إلى أربع مئة وخمسين ريال يمني ارتفع سعر كيس الدقيق إلى خمسين ألف ريال، ثم لما تراجع صرف الريال السعودي إلى مئتي ريال يمني تراجع سعر الدقيق إلى سبعة وثلاثين ألفا.
فإذا ما علمنا وفق هذا المثال أن صرف الريال السعوي كان بمئتي ريال يمني فأصبح اليوم بثلاث مئة فإن الزيادة في سعر الصرف تمت بما نسبته خمسين في المئة، ووفق هذا المثال أيضا إذا علمنا بالتزامن أن كيس سعر كيس الدقيق كان خمسة عشر ألف ريال وأصبح اليوم سبعة وثلاثين ألفا فإن الزيادة هنا تكون قد تمت بما تزيد نسبته عن مئة وثلاثين في المئة، وما بين نسبة زيادة الصرف ونسبة زيادة سعر كيس الدقيق يتجلى حَوَل التجار الجشعين الذين اتخذوا من حكاية ارتفاع الصرف وانخفاضه وسيلة للاستغلال والتربّح على حساب أقوات الناس ولقمة عيشهم.
أما إذا تحدثنا عن تلاعبهم في أسعار المواد الأساسية الأخرى كالرز والزيت والحليب والسكر؛ فإن الأرقام صادمة ذابحة، ويزيد من مرارة هذه البلوى أن الرقابة منعدمة تماما، وأنّ الحبل قد تُركَ على غاربه لأكلة أقوات الناس يسرحون ويمرحون كما يحلو لهم، وكما تمليه ضمائرهم النخرة وكروشهم المنتفشة، وبذلك يضاف إلى أمراء الحرب فئة جديدة، يصل دمارها إلى كل بيت، بل إلى كل فرد من أفراد هذا الشعب جوعا وفاقة واستفزازا في أخص خصوصيات الحياة، وإذا زاد الأمر عن حده وخرج على نطاقه وسط هذا الصمت المخزي من الجهات المسئولة فإن ثورة للجياع ستندلع عاصفة قاصفة، فلم يعد لدى البسطاء ما يخسرونه، وحين تصل المسغبة إلى حد لايطاق يصبح انتزاع لقمة العيش من أيدي اللصوص المتخمين واجبا حياتيا وحقا شرعيا لا يخالطه ريب.