في مطلع ثمانينيات القرن الفائت اجرت إذاعة عدن استطلاعا بسيطا للرأي العام بغرض الوقوف على أكثر برامجها قبولا لدي المستمع وكانت المفاجأة أن غالبية الذين شملهم هذا الاستطلاع اختاروا برنامج (من كلمتين) كأفضل برنامج إذاعي يجمع بين الفائدة والطرافة، ويأخذ الشيء القليل من وقت المشاهد.. ويومها قامت الإذاعة بتكريم الأستاذ أحمد عمر بن سلمان الذي يعد هذا البرنامج ويقدمه، وقد تأثر الرجل عندها كثيرا بهذا التكريم، كما تأثر باختيار المستمعين له ولبرنامجه من بين عشرات البرامج السياسية والثقافية والشعبية. التي تعدها وتقدمها أسماء كبيرة، لها في مهنة الإعلام رصيد مهني وحرفية عالية.
كان (من كلمتين) برنامجا خفيفا بسيطا، اختار له مخرجه شارة بدء طريفة كخلفية للعنوان المسموع، وما أن تنتهي شارة البدء هذه حتى يطل بن سلمان عبر الأثير بصوته المميز، وبأسلوب يقتنص معاني الألفاظ ويحرص شديدا على إيصالها إلى ذهن المستمع مشحونه بمعانيها وظلالها.
ولعل من أسباب نجاح هذا البرنامج أن بن سلمان ترك مكتبه ونزل إلى حياة الناس يتلمس همومها وينبش في تفاصيلها، فانعكس ذلك ثراء في أفكار برنامجه اليومي بعيدا عن الإعادة والتكرار، وقربا من المستمع الذي أحبه، ووضعه في صدارة البرامج الناجحة.
وكان بن سلمان ابن عدن البسيط، يتجول بين الناس بقامته النحيلة وسحنته السمراء، فلا يمر في مكان إلا وتجمع الناس حوله يحتفون به، ويتجاذبون معه أطراف الحديث، واثقين أنه صوتهم ولسانهم المعبر عنهم، وكانت طريقته في الحديث معهم هي ذات الطريقة التي يقدم بها برنامجه الشيق: بساطة وعفوية، ونبرات حميمة تميز بها، وابتسامة هادئة كانت أشعتها تتسلل مع نبرات صوته فتصل إلى قلوب المستمين قبل أسماعهم.
نجاح بن سلمان في (من كلمتين) دفع إذاعة عدن إلى الاستفادة منه أكثر، فتركت له حرية اختيار برنامج إضافي آخر، يكون من إعداده وتقديمه، فكان برنامج (العلم والإنسان) الذي قدم فيه سلسلة من الظواهر الكونية بأسلوب مبسط وجميل، غير أن برنامجه الأول (من كلمتين) ظل محط أسماع المتابعين الذين ينتظرونه يوميا موعدا مؤنسا يحمل في طياته عظمة جبل شمسان وجلال ساحل أبين وجمال بن سلمان.
مات بن سلمان أمس الأول، بعد أن ماتت قبله إذاعة عدن، ولم يبقَ إلا صوتُ النَّـعِـيِّ في كل نادي.