رحيل آخر لأب احترق فؤاده شوقاً لابنه المختطف خلف الجدران, ما أصعبه من فراق على قلب والد الصحفي عبد الخالق عمران وهو لا يعرف الى متى سيظل ابنه الحبيب داخل المعتقل وتحت التعذيب, وعبد الخالق عمران كيف سيستقبل موت والده قهرا عليه.
سنوات لم ير وجهه أو يحتضنه لم يقبل راحة يده وراسه ويسمع دعواته بالفرج.
فكم رحيل سيكون وكم ظلم وجبروت يستمر لمعتقلين صحفيين وابرياء يفقدون احباءهم ولم تهنأ روحهم بالحرية
دموع ودماء
يوم الخميس الماضي توفي الشيخ أحمد عبده عمران، والد الصحفي عبد الخالق عمران، المختطف في سجون ميليشيات الحوثي منذ أكثر من ست سنوات دون أن يتحقق حلمه الوحيد بزيارة ولقاء نجله المعتقل منذ العام 2015 في سجون الميليشيات الحوثية.
واعتقلت ميليشيات الحوثي الصحفي عبد الخالق عمران، مع ثمانية آخرين من زملائه في أحد فنادق العاصمة صنعاء في يونيو من العام 2015، ولفقت لهم تهماً متعددة، على رأسها التعاون مع ما تسميه "العدوان"، وحرمت عبد الخالق وزملاؤه من رؤية أهاليهم أو حتى الاتصال بهم طوال فترة اعتقالهم، وكان هذا التعذيب المميت الذي يستخدمه الحوثيون للمعتقلين والصحفيين وأهاليهم.
مات والد عمران وقد تعب جسده من الذهاب والإياب ليرى ولده, كما تعبت روحه وعيناه وودع الحياة وفي قلبه شوق كبير له.
كما رحل قبله والد توفيق المنصوري والذي توفي والده في يونيو الماضي, كذلك رحل وقد انفطر قلبه حنينا لرؤية ابنه.
وفي 19 ديسمبر 2019م توفيت والدة الصحفي حسن عناب والذي كانت تحلم أن يطرق الباب عليها, ويدخل لتحضنه للمرة الأخيرة ولكن رحلت هي وحلمها.
أبشع من الموت
هشام اليوسفي، صحفي مختطف سابق لدى ميليشيات يقول لـ "الصحوة نت" السجين لدى جماعة الحوثي تمر به أوقات يفضل فيها الموت على الحياة لأن الحياة تكون في السجن أكثر بشاعة من الموت نفسه!، يمر المختطف بأوقات صعبة منذ لحظة الاختطاف يليه الإخفاء فالتحقيق والتعذيب النفسي والجسدي بالإضافة الإهمال الصحي فمأموري السجون يعذبون السجناء بشكل دوري ويمعنون إلحاق الضرر بهم
ويضيف هشام "في الشتاء يتم حرمان المختطفين من الملابس والمستلزمات التي تخفف عنهم شدة البرد ويذهب الحوثي بالمساعدات التي تقدمها المنظمات للسجون يذهب بها إلى الجبهات في أحد المرات تم مصادرة اكوام كبيرة من الملابس من المختطفين وتجميعها في أكياس سوداء وذهبوا بها الجبهات في لإمداد المقاتلين!
ليسوا من البشر
في حي "مسيك" شرقي العاصمة صنعاء، توفيت والدة المعتقل توفيق المطري وهو في سجون الحوثي بسبب آرائه التي لا ينشرها حتى في الصحف، بل في صفحته الشخصية على الفيس بوك،
يقول توفيق انهم اخبروه بوفاة أمه وابتسامة السخرية والشماتة على وجوههم، ثم اوهموه بانهم وافقوا على إطلاق سراح مؤقت لحضور مراسم الدفن والعزاء، وبقلب مكسور يوقع توفيق على قرار الإفراج وهو لا يصدق بأن والدته فارقت الحياة وهو ليس إلى جانبها، وعندما وصل توفيق إلى البوابة بعد إحضار كافة الضمانات المطلوبة، ناداه العسكري وأخبره بأنها مجرد "كذبة " وانه غير مسموح له بالخروج ليفقد توفيق بعدها الوعي من شدة القهر والغضب، وعندما افاق لم يجد نفسه في المستشفى كما هو المفروض، بل في غرفة التعذيب اليومية، وكأن التعذيب الذي حصل _ يقول توفيق_ لم يكن كافيا، وكان هؤلاء ليسوا من البشر وليست لديهم أدنى ذرة من الإنسانية أو الشرف.
سجين آخر من سجناء الرأي يدعى عمر يروي معاناته لـ "للصحوة نت " بقوله: "الناظر إلى السجن الذي اعتقلت فيه يظن أنه للمجرمين ومن عليهم سوابق جنائية، لكن للأسف هناك شديد العكس من ذلك، وقلّ أن تجد من عليهم قضايا".
عمر الذي تخرج لتوه من كلية الإعلام بجامعة صنعاء، قبع في السجن لمدة تسعة أشهر بسبب منشورات معارضة للحوثيين في تويتر.
في اليوم الثاني لاعتقاله بدأ عمر بالحديث مع زملائه المعتقلين فوجد عكس ما كان يتوقعه تماماً، فالتهم الموجهة لهم كلها كيدية، وكلهم كانوا تحت التعذيب، أحدهم كان يضع في رأسه مصباحًا كي يرى في الليل فاتهمه الحوثيون أنه يستخدم المصباح ليؤشر للطائرات
توفيت والده عمر "بعدما جاءها خبر اعتقاله أصيبت بصدمه قلبيه من خوفها علي والدها ,فهي تعرف بشاعة ما يلاقيه في سجونهم " فتوقف قلبها عن الحياه ".
ويحكي عمر جزءاً مما عناه، يقول "كان في السجن يتيم للصلاة اذ لا يتوفر الحمام إلا نادراً، وكانت حصص التعذيب تبدأ من الرابعة فجرا وحتى الظهر، وكان التعذيب منوعا بين الركل والصفع واطفاء السجائر وانتهاك الآدمية والحرمان من النوم".
ويختتم عمر حديثه للصحوة نت "الحوثيون لا يسمعون دعاء المظلوم، ولا يرون دموعه، ولا يحسون بآلامه، ولا يرحمون أولاده وزوجته وعائلته، الحوثيون لا يرتاح بالهم إلا إذا كانت سجونهم مليئة بالمظلومين، يسجنون المظلومين ويطلقون الظالمين، في سجني عرفت أن كثيراً من المظلومين سينتقم لهم الله قريبا، خلف الشباك كان المجرمون الحوثيون ينتهكون ادميتنا ويدوسون على كرامتنا ، ولكن الله خير الحاكمين ".
معاناة لا يمكن وصفها
إحدى معتقلات الرأي سابقا، طلبت عدم ذكر اسمها، وهي امرأة في منتصف العمر، تحدثت إلينا قائلة بمرارة عن واقعها مع السجن قائلة: "ذات مرة وجدت نفسي في غرفة مغلقة، مكتظة بالسجينات اللواتي اختلفت جرائمهن وأعمارهن ومناطقهن. كنت خائفة، كانت الغرفة مظلمة تقريبًا وليست جيدة التهوية وليس هناك أدوات نظافة جيدة ولا رعاية صحية".
وأضافت قائلة: أما التحرش ومحاولات الاعتداء الجنسي فهي أمور تحدث بشكل يومي بل أن القانون العام هناك في تلك السجون، يجب أن تقاتل المرأة في سجون الحوثي لتحافظ على شرفها، وهناك أيضا الاعتداء بالضرب والسب وهذه تعودنا عليها، أحيانا كنت أفكر أذا كانت كل هذه الاهوال تحدث للنساء فما بالك بما يحدث للرجال المعتقلين لديهم؟ كنت اعتقد ان الشياطين هؤلاء لا يفرقون بين رجل وامرأة وطفل.
يقول الصحفيون المفرج عنهم من سجون الحوثي في تصريحات صحفية إنهم يحتاجون إلى كتابة كتب لوصف "بشكل كامل" ما مروا به وعانوه في مراكز الاحتجاز الحوثية، إذ أنه الله وحده يعلم مصاعب ومعاناة عائلاتنا في غيابنا.
يشار إلى أنه ما زال هناك أربعة صحفيون محكوم عليهم بالإعدام داخل هذه السجون المظلمة ينتظرون القدر للتدخل لإنقاذ حياتهم وإعادتهم إلى أبنائهم وآبائهم "قبل الرحيل عن الحياه بقلوب مفطورة".