إن أبرز ما يميز تجربة "الإصلاح" خلال ٢٨ عاما، أنه ظهر قويا منذ ولادته، وكبيرا رغم حداثة نشأته، وعملاقا وهو في بواكير انطلاقته، فضلا عن رفده الساحة الوطنية بالآلاف من الكوادر المجربة والقيادات المخلصة في مختلف المجالات والقطاعات.
ومن يتأمل تاريخ "الإصلاح" ومسيرته، ويمعن النظر في ماضيه وحاضره، أو يحاول استشراف مستقبله، سيجد أنه كان، ولا يزال، وسيبقى حقيقةً واضحةً لا يمكن تجاهلها، ومكوناً وطنياً يصعب تهميش دوره أو تهشيم حضوره.
وخلال مسيره المتزامن مع جملة من الظروف والتطورات التي شهدتها اليمن، حافظ الإصلاح على نفسه مستفيدا من الفرص المتاحة وحريصا على تدعيم أسس الدولة وترسيخ العمل الديمقراطي رغم ما واجه من عراقيل ومعوقات بعضها ذاتي نابع من داخل التركيبة اليمنية وبعضها الآخر موضوعي مرتبط بالظروف والمؤثرات الخارجية.
غير أن ما يحسب للإصلاح أنه وهو يمضي طريقه معتمدا على إمكاناته وقدراته ومراعيا الظروف المحيطة به ظل يفتح أبواب الشراكة مع القوى والمكونات السياسية والمجتمعية حريصا على إرساء قواعد الشراكة الوطنية فيما توافقت عليه القوى السياسية، ليجعل من المشاركة أساسا متينا تقوم عليه التجربة الوليدة والديمقراطية التي ما زالت توصف ب"الناشئة".
وإزاء الظروف والمتغيرات احتفظ الإصلاح بموقعه في واجهة المشهد السياسي، وضاعف من مقومات وجوده وعوامل امتداده أفقيا ورأسيا، وبالقدر نفسه محتفظا بمبدأ الشراكة ومحافظا على أغلب الشركاء، حتى وإن كانت رياح التغيرات تعصف بالبلد ليجد فيها الراغبون في التحلل من رباط الشراكة مبررا للخلاص منه، بل والانتقال إلى موقع الخصم المتشفي والعدو الشامت.
عارض "الإصلاح" وهو يمتلك قاعدة شعبية فلم يدفعه ذلك إلى ممارسة الابتزاز أو الاستفزاز، كما لم يتنصل عن مسؤولياته أو يتخلف عن القيام بواجباته، وظل حاضرا في كل ميدان وفاعلا في كل مجال، يدعم العمل السياسي ويشارك في ترسيخ التجربة الديمقراطية، يضع في طليعة أولوياته دعم الفقراء ومساعدة المحتاجين لكنه لم يتوارَ لحظة عن المساهمة الفاعلة في معركة الوعي الإيجابي ضد القيم السلبية من ركود وتعصب اعمى وعنصرية مقيتة، كانت ساحته الوطن كله، ومساحته اليمن برمته.
انتقل التجمع اليمني للإصلاح من المعارضة إلى المشاركة في السلطة بمسؤولية وكفاءة، محترما قواعد اللعبة ونتائج الانتخابات، ليغادر السلطة من الطريق نفسه وحسب القواعد ذاتها، وفي مرحلة لاحقة ترك الإصلاح مع حلفائه في اللقاء المشترك مقاعد المعارضة إلى خضم الثورة الشعبية، وحين تعلن الحرب على الثورة والدولة معا، من قوى ناقمة على الأولى وحاقدة على الثانية، وجد الإصلاح مكانه الطبيعي جبهات المقاومة وساحات البذل والتضحية، مع كافة مكونات المجتمع اليمني وقواه السياسية ومؤسسات الدولة الشرعية مسنودة بموقف عربي حازم وقرارات دولية تؤكد الحق في استعادة الدولة، وعدالة القضية الوطنية في مواجهات العصابات المسلحة المارقة على الإجماع المحلي والحوار الوطني والمجتمع الدولي.
ورغم ما توافر له من القدرات والإمكانات واتساع قاعدته الجماهيرية فقد ظل حريصا على الشراكة مؤمنا بأهميتها ومدركا لقيمتها في تأسيس وترسيخ التعددية السياسية في مختلف المراحل، حتى وإن كان الإصلاح هو الأكثر بذلا للتضحية وتقديما للتنازلات.
لقد قاد "الإصلاح" مع حلفائه في اللقاء المشترك المعارضة الوطنية خلال مرحلة زمنية عصيبة، بحكمة واتزان، دون أن يخضع لابتزاز الحاكم المستبد أو يجاريه في ممارساته التي اتسمت بالمغامرة على حساب الوطن، والمقامرة بمصير أبنائه، وظل الإصلاح حريصا على القيام بدوره مع بقية شركائه في مواجهة أخطاء الحكم وخطاياه بوعي جنّب البلد كثيراً من المصائب، ومسؤولية فوّتت على مشعلي الحرائق فرصتهم، وأفسدت خطط المتآمرين ومخططاتهم.
وحين كان نظام الحكم يدير البلد بالازمات كان "الإصلاح" يُثبت، وهو يتصدر المعارضة جدارته في التحاور بعقل يستوعب ما يجري، واضعا نصب عينيه مصلحة الوطن والشعب، ومقدماً في سبيلها التضحية ليقطع الطريق على المتربصين بأمن البلاد واستقرارها.
وكان وهو يفعل ذلك عن وعي وإدراك، لم يكن ليقبل بالتحلل من تبعات الشراكة مع القوى السياسية التي يلتقي معها على الهدف ذاته، ويتقاسم معها الوسائل السلمية نفسها، وظل القرار الإصلاحي منسجما مع الحلفاء والشركاء، الأمر الذي ضاعف من قوة اللقاء المشترك وأضعف حملات استهدافه الرامية للتفريق بين مكوناته حتى يسهل الانفراد بها كلا على حدة.
وعندما انطلقت الثورة الشعبية كانت قواعد الإصلاح ضمن جموع الثوار المرابطين في ساحات الثورة وميادين الحرية، وترجم أعضاء الإصلاح وأنصاره مبدأ الشراكة واقعا في الميدان وممارسة تعبر عن وعي بضرورة لم الشمل وجمع الكلمة وتنسيق الجهود لإنجاز الفعل الثوري الذي لم يكن مجرد شعار أو هتاف أو لافتة، مثلما كان الإصلاح في تكتل اللقاء المشترك يعزز التحالف الوطني على قاعدة الشراكة في صناعة القرار والمشاركة فى تنفيذه، واثمر ذلك فعلا قويا متماسكا في وجه نظام الحكم الذي وجد نفسه لأول مرة مكرها على مغادرة السلطة، ومجبرا على الحوار في الخطوط الحمراء، رغم ما آلت إليه المرحلة الانتقالية فيما بعد من حرب على الثورة والثوار، وانقلاب على الحوار ونتائجه والشرعية ومكوناتها.
بيد أن الإصلاح الذي أُريد له أن يواجه الثورة المضادة منفردا، ومعزولا كان يدرك مغبة ذلك، فجاء قراره عشية سقوط العاصمة صنعاء متضمنا (لا مواجهة منفردة مع خطر يتهدد الجميع)، إذ أن معركة الإصلاح سيتغدو بلا أفق وطني، وسجل هناك موقفا مسؤولا يثبت أن معارك الأطراف والقوى مهما كانت دوافعها ومبرراتها لا ترقى لأن تكون هي معركة الوطن الشاملة لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب ومخلفات.
وجاءت التطورات السياسية والميدانية مؤكدة صوابية موقف الإصلاح في ضرورة التصدي للخطر الذي أخذ يتوسع على شكل اجتياح يهدد الداخل اليمني، ومناورات على الحدود تهدد دول الجوار، لتهب (عاصفة الحزم) إدراكا من قيادة المملكة العربية