العلم و التعلم الخطوة الأساس لأي إنجاز أو نجاح، شرط أن يكون له أهدافه و أخلاقياته، و إلا انقلب و بالا و دمارا على الآخرين و على صاحبه .
و هذه السطور ليس موضوعها تناول هذا المعنى بمداه الواسع، و بفضائه الكبير، و إنما ستتناول سطرا من قمطر، أو قطرة من بحر، كما يقال، و المراد هنا كيف يُحْدِث التعلم الأثر الإيجابي حتى في جوارح الطير أو الحيوان . و هو ما استلفتنا إليه القرآن الكريم، يقول تعالى :" أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله" المائدة.
فالكلاب المعلمة و المدربة للصيد تمسك لصاحبها ؛ ثم لا تأكل مما أمسكته من صيد ؛ لأنها إن أكلت مما تمسك فهي غير مدربة و لا معلمة، و بالتالي لا يجوز لصاحبها أن بأكل مما أمسكت. و هذه مسألة فقهية معروفة .
كلاب الصيد بما تعلمته، و ما تدربت عليه أنها تصطاد لصاحبها، و كلاب الصيد قابلة لتتعلم أشياء أخرى مفيدة كالمساعدة في اكتشاف الجريمة، و ما تقوم به من دور إيجابي مساعد في مكافحة المخدرات و غير ذلك.
غير أن الإنسان - كعادته حين يفقد بوصلته - يسخرها لتتعلم أدوارا سلبية، فالظالم و المستبد يدربها لتصبح أداة من أدوات التعذيب للناس في سجون الطغاة و معتقلات المستبدين، مثلا، أو يسخرها للإضرار فيمتهن قابليتها للتعلم بحرفها إلى مستنقعات الفعل، و بؤس العمل .
و مما هو معلوم أن العلم و التعلم، إذا اتخذ المسار الإيجابي أفاد و نفع، حتى في الكلاب و الجوارح و إذا انحرف العلم و التعلم و سلك المسار السلبي ساد الجهل و التجهيل حتى في صفوف البشر ؛ و بالتالي ينتشر الضرُّ و الدمار . و يصبح العلم مصدر إضرار، و يكون في إطار ما أخبرنا عنه النبي الكريم منافق عليم اللسان !
و هنا العبرة، كيف أن العلم و التعلم يهذبان - حتى - الكلاب و الجوارح، و كيف أن الجهل و التجهيل يفسدان الإنسان المنوط به عمارة الحياة، و هو الذي استخلفه الله في الأرض ليعمرها .
الجهل و التجهيل المتعمد يكونان عاملام من عوامل تعرية الإنسان من أنسانيته، فإذا كان الكلب غير المعلم يصطاد لنفسه، و لا خطر على الإنسان في ذلك، فإن الإنسان المُجَهّل يتمثل خطره و خطورته في أنه يصطاد صاحبه لمصلحة عدوه .
يستفيد الإنسان من الجوارح المعلَّمة إيجابيا، و المعلمة سلبيا يكون أثرها و ضررها محدودا .
لكن مصيبتنا كبشر ، تأتي من الإنسان المُجَهّل، الذي يصطاد أصحابه لأعدائه، و هناك من هو أسوأ منه، و أكثر ضررا و دمارا لأخيه الإنسان، و هو ذلك الانسان المُعلّم( بتشديد اللام و فتحه) سلبيا ، فيضر بأهله و صحبه ، بل و يدمر شعبه و وطنه.
ليست مشكلتنا في الكلاب المعلمة أو غير المعلمة، مشكلة الإنسانية في الإنسان الجاهل أو المُجَهّل، و من الإنسان الذي نحسبه معلَّما، و لكن تعلمه كان تعلما سلبيا يدمر الحياة و الإنسان ، أو يبيع الأرض و يتهاون في العرض، أو يصطاد أهله و صحبه للخصوم، و يبيع شعبه و أرضه للأعداء !
و القابلية للتسخير هي نفس القابلية للاستعمار، و مثل قابلية الحوثي للارتهان لإيران، أو قابلية أي جهة ترهن مواقفها - بتبعية ذليلة - للغير .
فتات الدنيا حقير، و مع ذلك قد تجد طابورا من البشر المجهَّلين يصطادون لغيرهم و ( يشقون ) مع غير أبناء وطنهم، و ضد أبناء جلدتهم ؛ لقاء ذلك الفتات الحقير . فتصبح هذه النوعية من بني البشر أداة طيّعة لأسيادها، ليس لها موقف و لاتستشعر كرامة، و لا تفكر بمبادئ و لا قيم، و حتى إذا افترضنا أنها معلمة و متعلمة، فستكون على غرار ما خشيه الرسول الكريم على أمته ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ).